Loading...

دليل المعتقدات المسيحيَّة - Lesson 5

شخص يسوع وعمله

الموضوع الرئيسيّ للاهوت المسيحيّ الذي يضفي عليه طابعه المسيحيّ هو مجيء يسوع إلى العالم مُخلِّصاً إيَّاه من الخطيَّة. ومجيئه على حدٍّ سواء إعلانٌ عن طبيعة الله المُقدَّسة المُحبَّة كما أنه فعل المَحبَّة السامية الذي يصالح به الله الخطاة لنفسه.

I. Howard Marshall
دليل المعتقدات المسيحيَّة
Lesson 5
Watching Now
شخص يسوع وعمله

Lessons
Transcript
  • ما دام الله قد أوحى بالفعل بالكتاب المُقدَّس، ربَّما يسأل أحدهم عن سبب دراسة العقيدة المسيحيَّة قائلاً: هل يكفي بالتأكيد أن يدرس المرء الكتاب المُقدَّس دون الانشغال بمسألة العقيدة؟ ربَّما تكون أبسط إجابةٍ عن هذا السؤال هي أن أيّ شخصٍ يدرس الكتاب المُقدَّس إنَّما يدرس العقيدة في الواقع. المناقشة المنهجيَّة للاهوت المسيحيّ سوف تنقل الطالب إلى العديد من مصادر المعرفة ومجالات التفكير. وسوف يكون هدفنا هنا هو الهدف الأكثر تواضعاً المُتمثِّل في محاولة وضع التعليم الكتابيّ الذي يُشكِّل أساس اللاهوت المسيحيّ.

  • تخبرنا العقيدة المسيحيَّة بما يؤمن به المسيحيّون عن الله. ولكن قبل أن نتمكَّن من مناقشة ما نؤمن به عن الله، ينبغي أن نعالج السؤال الأوَّليّ حول كيفيَّة التعرُّف على الله وعلى وجوده وطبيعته وأفعاله. فهذا السؤال له أهميَّةٌ حاسمة لأن الاختلافات بين المواقف اللاهوتيَّة المُتنوِّعة التي يعتنقها المسيحيّون غالباً ما تعتمد على اختلافاتٍ في طريقة التفكير بخصوص كيفيَّة معرفة الله.

  • على الرغم من أننا لا نستطيع معرفة الله بالبحث، فإن الله كشف لنا نفسه بطُرقٍ يمكننا فهمها. بما أننا مخلوقاتٌ مصنوعة على صورة الله (التكوين 26:1)، من الممكن أن يكون لنا بعض الفهم عن الله الذي صنعنا. كشف الله عن نفسه بلغة البشر، وبما أننا ندرك أن لغة البشر وسيلةٌ صادقة لكنها غير كافيةٍ لتوصيل حقيقة الله، يمكننا إحراز بعض التقدُّم في الفهم. لاءم الله نفسه بلطفه لعقولنا الضعيفة والخاطئة من خلال التكلُّم إلينا في إعلانٍ شخصيّ، ولذلك ينبغي أن نتذكَّر أن الشخص نفسه أعظم من الإعلان. علينا أن نتذكَّر أنه أبعد من نطاق فهمنا وأن الكلمات البشريَّة لا يمكنها التعبير عنه كما يحقّ وأنه لا يزال بإمكاننا أن نقول المزيد عنه.

  • القصَّة التي تدور في الكتاب المُقدَّس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا هي قصَّة كيفيَّة خلق الله العالم وسقوط العالم في الخطيَّة وتمرُّده عليه وكيفيَّة بدء الله عمليَّة خلقٍ جديد سوف يستمرّ لحين انتهاء كُلّ أثرٍ للخطيَّة. البشر ذروة خليقة الله وتاجها لأنهم صورة الله على عكس المخلوقات الأخرى (التكوين 26:1-27). وسريعاً ما تبع خلق البشر دخول الشرّ في قلوبهم. فقد خُلِقوا بإمكانيَّة الاختيار بين الصواب والخطأ وبين طاعة الله وعصيانه. لكنهم اتَّخذوا القرار الخاطئ بتحريضٍ من المُجرِّب فدخلت الخطيَّة العالم بجميع عواقبها الرهيبة.

  • الموضوع الرئيسيّ للاهوت المسيحيّ الذي يضفي عليه طابعه المسيحيّ هو مجيء يسوع إلى العالم مُخلِّصاً إيَّاه من الخطيَّة. ومجيئه على حدٍّ سواء إعلانٌ عن طبيعة الله المُقدَّسة المُحبَّة كما أنه فعل المَحبَّة السامية الذي يصالح به الله الخطاة لنفسه.

  • المرحلة التالية في دراسة العقيدة المسيحيَّة تراعي النظر في الحياة الجديدة التي يهبها الله لمن يقبلون يسوع مُخلِّصاً لهم من الخطيَّة. سوف نبدأ بالنظر إلى كلمتين عامَّتين تُستخدَمان لوصف اختبارنا كمسيحيّين، ثم نناقش أربعة جوانب مختلفة للحياة المسيحيَّة، وسوف ننظر أخيراً في طبيعة استجابتنا لهبة الله المُتمثِّلة في الخلاص والحياة الأبديَّة.

  • لا يمكن للمرء أن يصبح مسيحيَّاً بمُجرَّد الإيمان بيسوع المسيح دون أن يصبح في الوقت نفسه عضواً في شعب الله مع جميع إخوته المؤمنين وأن يشارك في حياة الكنيسة. في الواقع، لم يكن من الممكن أن نعرف يسوع دون شهادة المسيحيّين الآخرين وعملهم في ترجمة الكتاب المُقدَّس وتوزيعه وصلواتهم من أجلنا. لم يأتِ يسوع لخلاص الناس بمعزلٍ عن بعضهم البعض بل لتأسيس مجتمعٍ جديد من الناس يعملون على بنيان بعضهم البعض في الإيمان وكرازة العالم. ينبغي علينا الآن استكشاف معنى الكنيسة ومهامها.

  • يهتمّ علم الأخرويَّات بالتدخُّل الأخير لله في التاريخ لإنهاء العالم الحاضر الشرِّير ولبدء العالم الجديد. لكن فعل الله هذا لا يقتصر على المستقبل لأن الله بدأ خليقته الجديدة في مجيء يسوع وتأسيس الكنيسة. جرت العادة على فهم النبوَّات المُتعلِّقة بالأيَّام الأخيرة على أنها كانت تتحقَّق في الأيَّام الأولى للكنيسة. ولذلك، لكي نفهم ما سوف يحدث في المستقبل نحتاج إلى تلخيص قدرٍ من القصَّة الكتابيَّة حتَّى نضع المستقبل بعين الاعتبار.

5

 

شخصُ يسوعَ وعملُه

 

مجيءُ يسوعَ إلى العالم مُخلِّصاً له من الخطيَّة هو الموضوعُ المركزيّ لعلمِ اللاهوت المسيحيّ، وهو يضفي عليه طابعَهُ المسيحيّ (مرقس 45:10؛ يوحنَّا 3: 16؛ تيطس 11:2). فمجيئُ المسيح إعلانٌ عن صفاتِ الله بأنّ الله محبةٌ وقدّوسٌ، كما أنّ مجيء المسيح هو عملُ المَحبَّة الأسمى الذي يصالح اللهُ به الخطاةَ لنفسه (2 كورنثوس 19:5).

 

يسوع المسيح لاهوتاً وناسوتاً (يوحنَّا 1:1-18؛ فيلبّي 5:2-11)

 

سبَقَ فرأينا كيف يوصَف يسوعُ في العهد الجديد بأنه ابنُ الله وهو الرّبّ، ولا حاجةَ لتكرارِ الأدلَّة هنا. وفي الوقت نفسِه، يوصَفُ يسوعُ عفويّاً، في كثيرٍ من الأحيان، بأنه إنسانٌ حقيقيّ. كانت له أمٌّ من بني البشر (غلاطية 4:4)، ونما مثلَ أيّ صبيٍّ آخر حتَّى سنّ الرجولة (لوقا 40:2، 52). واختبرَ ما يشتركُ به جميعُ البشرِ من عواطفَ ومشاعر: المَحبَّة (مرقس 21:10)، والحزن (يوحنَّا 33:11-36)، والغضب (مرقس 5:3؛ 14:10) والرحمة (مرقس 34:6). واختبرَ تجاربَ الجوعِ والعطش والتعب الشديد (يوحنَّا 6:4-8؛ 28:19). وكان لديه أيضاً عقلٌ بشريّ حقيقيٌّ على الرغم من أنه كانت لديه رؤىً ومعرفةٌ نبويَّة لا يتمتّعُ بها أناسٌ آخرون، وكان يحتاج إلى طرح الأسئلة للحصول على معلوماتٍ لم يكن يعرفها (مرقس 21:9؛ 33). كما شعرَ بالحاجة للصلاة (مرقس 35:1؛ 46:6؛ العبرانيّين 7:5). وصُنِعَ في شبهِ البشريَّة الخاطئة (رومية 3:8)، وهكذا عَرفَ معنى التجربة بما لا يُقاس (مرقس 13:1؛ 32:14-34؛ العبرانيّين 18:2)، ولكنّه على عكس جميع البشر الآخرين، لم يخضعْ قطُّ للتجربة (متَّى 1:4-11؛ يوحنَّا 46:8؛ 2 كورنثوس 21:5؛ العبرانيّين 15:4؛ 1 بطرس 22:2). وباختصارٍ، يظهر أيضاً أنّ يسوع الذي يُقدَّم في العهد الجديد باعتباره ابنَ الله هو إنسانٌ حقيقيٌّ تماماً.

 

نبحث بطبيعة الحال عن تفسيرٍ لهذا التناقض. ماذا كان هدف الله من إرسال ابنه إلى العالم بهذه الطريقة؟ يُوجِّهنا طرحُ السؤال بهذه الطريقة إلى فحصِ ما فعله يسوع. وهذا يعني أنه يمكننا تحقيقُ بعضِ التقدُّم في فهم شخصه بالنظر إلى المُهمَّة التي جاء ليُؤدِّيَها. فقد جاءَ ليصبحَ مُخلِّصَ البشر. ولكي يكونَ يسوعُ مُخلِّصاً، كان من الضروريِّ أن يكون لاهوتاً وناسوتاً معاً، وإلَّا لكان عملُه غيرَ مكتملٍ وغير قادرٍ على تلبيةِ أعمقِ احتياجات الخطاة.

 

كان من الضروريّ إذاً أن يكون يسوعُ هو الله حقَّاً. تطلَّبَ الأمرُ مجيءَ الله نفسِه ليحلَّ بين البشر ويُبيِّنَ بوضوحٍ عظمةَ مَحبَّتِه المُخلِّصة التي يجتذبُ بها الناسَ ويردُّهُم إليه. عندما يرسِل المُحبُّ شخصاً آخر غيرَه لينقل رسالةَ حُبٍّ فإنه يُبيِّن عدم استعداده لإشراك نفسه بالتمام في إظهار حُبّه. أمَّا عظمةُ مَحبَّةِ الله فيُنظَرُ إليها في أنه جاء بنفسه في شخص يسوع. كان الآب مُستعدَّاً لبذل ابنه الوحيد كإظهارٍ لمَحبَّته. وبذلك فإن اليهود الذين عرفوا قصَّةَ استعدادِ إبراهيم لتقديم ابنِهِ إسحاق ذبيحةً فهموا هذه النقطة سريعاً (يوحنَّا 14:1-18؛ التكوين 2:22؛ يوحنَّا 16:3؛ 1 يوحنَّا 9:4-10).

 

ومع ذلك، ينطوي الأمر على ما هو أكثر من إظهارِ المَحبَةّ. يُظهِرُ مجيء يسوع مشاركة الله الكاملة في تحمُّلِ خطيَّة البشر واحتمالِ عواقبها (2 كورنثوس 19:5). في الواقع، لا يمكن سوى للهِ وحده أن يتعاملَ مع مشكلةِ الخطيَّة من خلال تحمُّلِ تكلفةِ الغفران بنفسه. فإذا أساءَ إليّ شخصٌ ما ثُمَّ بذَلَ قُصارى جهدِهِ لتعويضي عن الأذى فمن السهل نسبيَّاً بالنسبة لي أن أسامحه؛ فهذا لا يُكلِّفني إلَّا القليل جدَّاً (فضلاً عن الاستعداد لتغيير رأيي – وهو مسألةٌ صعبة على المتفاخرين)، لكنّه لا يعطي أيّ تأكيدٍ للمعتدي بأنني قد لا أغيِّر موقفي من الصداقة إلى الغضب. من المُكلِّفِ أكثر بالنسبة لي أن أتحمَّلَ وطأةَ إساءةِ شخصٍ آخر بحقّي، وأثبتَ استعدادي للغفران. فمثلُ هذا الاستعدادِ فقط يستطيعُ توفيرَ الغفرانِ عندما يبقى المعتدي مُتمرِّداً في البداية؛ ولا يستطيعُ إلّا مثلُ هذا الاستعدادِ تأكيدَ حقيقةِ الغفران وعدمَ قابليّتِهِ للإلغاء. يعتمدُ تأكيدُنا على غفرانِ الله لنا على حقيقة أنّ الله كان في المسيح مُصالحاً العالمَ لنفسه.

 

من المُهمّ في الوقت نفسه توضيحُ أنه كان من الضروريّ أن يكون يسوعُ إنساناً حقيقيّاً. الجانبُ الآخر من الصورة هو أنّ يسوع يقفُ أمامَ اللهِ بالنيابة عن البشر حاملاً دينونةَ خطاياهم وشافعاً فيهم. فمشاركةُ البشر غيرُ ممكنة إلّا لإنسانٍ مثلهم، وليحلَّ محلّهم في تقديم ذبيحةٍ بلا عيبٍ لله (العبرانيّين 14:2-18). يعقدُ بولسُ مقارنةً بين الشرّ الذي جلبه الإنسان الأوَّل، آدم، على الجنس البشريّ والبركةِ التي جلبها الرجلُ الثاني، آدم الأخير، الذي أصبح نائباً عن غيره من البشر وكفّارةً عن خطاياهم (رومية 12:5-21؛ 1 كورنثوس 21:15-22). يمكن للخطاة من خلال هذا الإنسان [يسوع] الاقترابُ إلى الله وإيجادُ السلامِ معه (العبرانيّين 14:4 – 10:5). ويُظهِر مجيءُ يسوع كإنسانٍ أنّ خلاصَ الله مُقدَّمٌ للجنس البشريّ.

 

تكشفُ هذه الاعتباراتُ أنه من أجل خلاصنا كان من الضروريّ أن يكونَ المُخلِّصُ لاهوتاً وناسوتاً. ولكن ينبغي أن نسألَ الآن عن كيفيَّة إمكان هذا. كما كان الحال في محاولةِ تفسيرِ طبيعةِ الله باعتباره ثلاثةَ أقانيم في واحدٍ، نجد أنفسنا مرَّةً أخرى نواجه الحاجز الناجم عن تفكيرِ الإنسان المحدود وقيودِ اللغةِ البشريَّة. نحاول تفسيرَ الكيفيَّةِ التي يمكنُ بها لشخصٍ واحد أن يكون الخالقَ والمخلوق، والكيفيَّةِ التي يمكنُ بها لشخصٍ واحد أن يتشاركَ في خصائصَ متناقضةٍ ظاهريَّاً لكونِهِ ناسوتاً ولاهوتاً. يصحُّ القول بأنّ تفسيرَ هذا السرّ مستحيلٌ من حيث المبدأ بالنسبة لنا. لا يمكننا وصفُ إمكانيَّة هذا، ولكن يمكننا النظرُ في سببِ عدمِ كفايةِ التفسيراتِ المُتنوِّعة المُقدَّمة من وقتٍ لآخر. وحتَّى لو لم نتمكَّنْ من تفسيرِ هذا السرّ فقد نقتربُ من تصريحٍ كافٍ به عن طريق استبعادِ العديد من التفسيرات المُضلِّلة.

 

وعلى سبيل المثال، حلَّ عددٌ من المسيحيّين الأوائل هذه المشكلةَ بالإشارة إلى كونِ يسوعَ كائناً إلهيَّاً لم يظهرْ في ناسوته سوى لفترةٍ قصيرة ثم عاد إلى طبيعته الإلهيَّة. (كان هذا الرأي يُسمِّى الدوسيتيَّة، وهي مُشتقَّةٌ من فعلٍ لاتينيّ معناه "يبدو"). يمكننا أن نرى بسهولةٍ أن هذا الرأيَ لا ينفعُ لأنه يُنكِرُ أنّ يسوعَ كان ناسوتاً حقيقيَّاً، ممّا يمنعُه من الاختلاطِ بالجنس البشريّ. لا يزال يوجدُ أشخاصٌ اليوم يرفضون هذا الرأي رسميَّاً ولكنهم في الواقع يُؤيِّدونه من خلال التقليل من حقيقة أنَّ يسوع كان ناسوتاً حقَّاً يمكنه أن يشعرَ بالتعب والجوع. ويذكرُ رأيٌ آخر أنّ يسوع كان ناسوتاً ولكنه لم يكنْ لاهوتاً في طبيعته بل اختاره اللهُ بسبب حياته الطاهرة وتبنَّاه ابناً له. من الواضح أن هذا الرأي يقع في الخطأ المعاكس بإنكارِ لاهوتِ يسوع، ناهيك عن سوءِ تفسيرِه للتعليمِ الواضح للعهد الجديد. تتَّفقُ آراءٌ أخرى على أنّ يسوع كان ناسوتاً ولاهوتاً، لكنها تخطئُ بتصويره كائناً شبهَ إنسانٍ وشبهَ إلهٍ، أيْ إنساناً بصفةٍ جزئيَّة وإلهاً بصفةٍ جزئيَّة. ويقترح آخرون أنّ يسوع كانت له طبيعتان منفصلتان، إحداهما بشريَّة والأخرى إلهيَّة، مثل الهويَّة المزدوجة لجيكل وهايد. الحقيقة هي أنه لا يمكننا فهمُ الكيفَّية التي يمكن بها لشخصٍ ما أن يكون لاهوتاً بالتمام وناسوتاً بالتمام. ليست لدينا أيَّةُ تماثلاتٍ لتفسيرِ الأمر. ولكن ينبغي أن نتمسَّكَ بالتعليم الكتابيّ بأنَّ ابنَ الله صارَ إنساناً مع استمراره في كونه ابنَ الله (يوحنَّا 14:1؛ 2 كورنثوس 9:8؛ فيلبّي 5:2-11).

 

من الواضح أنّ هذا يطرحُ مشكلاتٍ. رأينا أنّ اللهَ كُلّيُّ المعرفة وكُلّيُّ القدرة وكُلّيُّ الوجود. كيف يمكنُ إذاً أنْ يصبحَ اللهُ مُتجسِّداً في صورةِ إنسانٍ لا يملكُ أيَّاً من هذهِ الصفات؟ تتحدَّثُ إحدى النظريَّاتِ الشائعةِ عن إخلاءِ ابنِ الله لنفسِه من صفاته الإلهيَّة كي يصبحَ إنساناً مع الاحتفاظ بمَحبَّته وكماله الأخلاقيّ. من الواضح أن هذه النظريَّةَ تنطوي على قدرٍ من الحقّ. ففي فيلبّي 6:2-8 يقال إنه على الرغم من أنّ يسوع كان في الأصل على هيئة الله، فإنه أخذَ هيئةً بشريَّة. من المُؤكَّد أنه تخلَّى عن الجانب الخارجيّ، أي المجدِ الظاهر للاهوت، من أجل أن يظهرَ في الهيئةِ البشريَّةِ المتواضعة. ولكن، عند اقتراحنا أنّ يسوعَ لم تكن لديه أكثرُ من المعرفةِ غيرِ المعصومة لإنسانٍ عاديّ، أو أنه لم تكنْ لديه قُوىً معيّنةٌ فائقةٌ للطبيعة، فنحن ملزمون بتوضيحِ أنّ الأناجيلَ تُقدِّمُهُ بطريقةٍ أخرى، وأنّ آراءً من هذا النوع تقضي على أيَّةِ استمراريَّةٍ بين ابنِ الله قبلَ تجسُّدِهِ وابنِ اللهِ المُتجسِّد. بل الحقيقة هي أنّ يسوعَ بممارسته بعضَ صفاتِ الله استطاع الظهورَ كإنسانٍ حقيقيّ، ومع ذلك كان أعظم من إنسانٍ.

 

إذا كان يسوعُ هو ابنَ الله، فلا غرابةَ في أنّ دخولَهُ إلى العالم وخروجَهُ منه لم يكونا مثلَ غيره من الناس. يتحفّظُ العهدُ الجديد على كلتا النقطتين. فعلى الرغم من أنه يُسجِّلُ حقيقةَ القيامةِ، ويخبرُنا أنّ أتباع يسوع رأوه بعد عودته إلى الحياة، فإنه لا يُسجِّل أيَّةَ روايةٍ عن شاهدِ عيانٍ للحظةِ الفعليَّةِ للقيامة. وبالمثل، فإنه لا يروي سوى القليل عن طريقةِ ولادة يسوع. وعدا عن روايات الولادة، توجدُ أدلَّةٌ كافيةٌ تشير إلى أنّ كُتَّاب العهد الجديد كانوا على درايةٍ بأنَّ ولادته كانت غير عاديَّةٍ (راجع يوحنَّا 13:1؛ 42:6؛ 41:8-42؛ غلاطية 4:4). يسهل فهمُ هذا الصمت، وخصوصاً خلالَ حياةِ مريم.

 

وفقاً لروايات الولادة، لم تكن ولادةُ يسوع نتيجةً لحبلٍ بشريّ طبيعيّ من خلال الالتقاء بين مريم ويوسف خطيبِها، بل نتيجةً لعملٍ خاصٍّ من الروح القُدُس (لوقا 34:1-35). هذه معجزةٌ كاملة، ولكنها لا تتطلّبُ إيماناً أكبرَ من معجزةِ التجسُّد بحدِّ ذاتها. يعترض البعضُ أحياناً على أنه إذا كان يسوع قد وُلِدَ من عذراءٍ، فهو ليس مثلَنا بأيّ شيءٍ (راجع العبرانيّين 17:2). لكن هذا الاعتراضَ اعتراضٌ فارغ، لأنَّ طريقةَ حبلِ مريم بيسوع لم تُؤثِّرْ على واقعِ حياتِه البشريَّة وتجربتِه اللاحقتَيْن. كما أنّ النظريَّاتِ البديلةَ ليست أفضلَ حالاً. تقول هذه النظريَّاتُ البديلةُ إنه إمَّا أنَّ يسوعَ كان الابنَ غير الشرعيّ لمريم (مثلما أكَّد الافتراءُ اليهوديّ؛ راجع يوحنَّا 41:8) أو أنه كان الابنَ الطبيعيَّ ليوسف ومريم. يتعارضُ كلا الاقتراحين مع أدلَّةِ العهد الجديد، ولا يُنصِفان سرَّ شخصِ يسوع. وما يشدّدُ عليه الكتابُ المقدّس ليس عذراويّةَ مريم بقدر ما هو العملُ الإيجابيُّ للروح القدس، ولكن هذين لا يمكن فصلهما. 

 

خدمة يسوع (مرقس 14:1-45؛ لوقا 14:4-30)

 

يوجد انتقالٌ مفاجئٌ في قانونِ الإيمان من "تجسَّدَ من الروحِ القُدُس ومن مريمَ العذراء" إلى "تأنَّسَ وصُلِبَ عنَّا على عهدِ بيلاطس البنطيّ". قد نميلُ لاستخلاصِ الاستنتاجِ الزائفِ بأنَّ ما حدثَ بين هذين الحدثين المُهمّين في حياة يسوع غيرُ مُهمٍّ للاعتقاد المسيحيّ. ومع ذلك، من المعترَفِ به على نحوٍ متزايدٍ أنّ علمَ لاهوتِ الكنيسةِ الأولى نشأ عمَّا فعله يسوعُ وعلَّمَ به خلال خدمته. أمَّا علمُ اللاهوت الذي يتجاهلُ محتوياتِ الأناجيل فهو لاهوتٌ أحاديُّ الجانبِ ومعيبٌ. يمكننا تلخيصُ عرضِ يسوع في الأناجيل في خمسة جوانب.

 

أوَّلاً، جاء يسوعُ لإعلانِ ملكوتِ الله. جاء إلى عالمٍ كان تحت سيطرة إبليس (لوقا 5:4-7؛ يوحنَّا 31:12)، وقدّم له رسالةٌ مفادُها أن الله قد بدأ يعملُ بطريقةٍ جديدةٍ لتأسيسِ حُكمِ برّه وخلاصه (مرقس 14:1-15؛ لوقا 48:9؛ 13:16). آن الآوان ليتحرّرَ البشرُ من قوَّة إبليس (لوقا 16:13) والشياطين. فقد تبعوا تعليمَ يسوعَ وأصبحوا تلاميذَه (مرقس 16:1-20؛ 14:10؛ لوقا 46:6-48). والذين استجابوا لدعوة يسوع تعلَّموا طريقةَ الحياةِ الجديدة المرتبطة بحُكم الله (متَّى 5-7) وأُرسِلوا لنشرِ الأخبار السارَّة عن بدءِ ملكوتِ الله (مرقس 13:3-15؛ 19:5؛ متَّى 16:28-20). كان يسوعُ هو النبيَّ المُعيَّنَ من السماء للإعلان عمَّا يحدث.

 

ثانياً، كان يسوع أعظمَ من مُجرَّدِ نبيٍّ بما كان الله يفعله. أكملت بشارتُهُ نبوَّاتِ العهد القديم عن مجيء ذاك الذي سيعلن ملكوتَ الله (لوقا 18:4-21). لقد كان هو نفسه المسيَّا (أي الملك الممسوح) الذي كان الله يعمل من خلاله حُكم خلاصه (لوقا 68:1-79). فَهِمَ بيلاطسُ الرسالة وأظهرها بوضع عبارة "ملك اليهود" على الصليب (يوحنَّا 19:19-22) مع أنّ فهمَهُ كان سطحيَّاً. ومع ذلك، امتنع يسوع نفسُه عن الاستخدام المفتوح للقب، ربَّما بسبب الارتباطاتِ المُضلِّلةِ التي يمكن أنْ يحملَها لليهود الذين كان يُفكِّرون في مجيء قائدٍ عسكريٍّ وطنيّ. لقد قَبِلَ يسوع أنْ يُنادَى "ابن داود" (مرقس 47:10-48؛ 9:11-10؛ 35:12-37)، وهو لقبٌ كان معادلاً للقب "المسيَّا"، ولكنّه فضَّلَ أنْ يُدعى "ابنَ الإنسان". يرِدُ هذا التعبير، الذي يعني ببساطةٍ "الإنسان" في المصطلح العبريّ، في دانيال 7، حيث يشير إلى مُمثِّل قديسيّ الله الذين يتلّقون من الله قوَّةً وسلطاناً بعد هزيمتِهم من أعدائهم. كان يسوع بقبوله هذا اللقب يُؤكِّدُ في الواقع أنه المُمثِّلُ الحقيقيّ لشعب الله وقائدهم. وعلى الرغم من رفض الناس لسلطانه وتسليمه للموت، فقد برَّر اللهُ يسوع (مرقس 31:8، 38؛ 24:13-27؛ 62:14؛ لوقا 24:17-25)؛ وفي الدينونة الأخيرة سوف يكون العاملُ الحاسم هو موقفَ الناس من ابن الإنسان، وقبولَ يسوع أو رفضَه لهم (متَّى 31:25-32؛ مرقس 38:8؛ لوقا 8:12-9).

 

ثالثاً، فَهِمَ يسوع مُهِمَّته باعتباره ابنَ الإنسان في ضوءِ شخصيَّةٍ أخرى من العهد القديم. لقد كان عبْدَ اللهِ المُتألّمَ الموصوفَ في إشعياء 40-53. أولاً، الخادمُ هنا رمزٌ لبني إسرائيل، أو بالأحرى للبقيّة التقيّة من الشعب الذين اختارهم الله لإقامة العدل في الأرض وتحقيق الخلاص للبشر (إشعياء 1:42-7). ومع ذلك، بينما تقدَّمتِ النبوَّةُ وأصبحَ النبيّ أكثر وعياً بخطيَّة بني إسرائيل وعدمِ أهليَّتهم، كان يتطلَّعُ إلى ما وراء الأمَّة إلى خادمٍ معيّنٍ يتولَّى الدورَ المقصودَ لإسرائيل، ويُحقِّقُ بآلامه هدفَ الله تحقيقاً تامَّاً (إشعياء 13:52-12:53). أدرك يسوع أنّ هذا الدورَ هو الذي دُعِيَ لتحقيقه (متَّى 18:12-21؛ مرقس 45:10؛ لوقا 24:22-27، 37؛ 1 بطرس 21:2-24).

 

رابعاً، رأى يسوع أن مُهمَّتَه أكثرُ من مُجرَّدِ إعلانِ رسالةٍ. كان هدفه أن يكون مُخلِّصَ البشر من قيودِ الخطيَّة والشرّ، وقد تطلَّبَ هذا كُلَّاً من القول والفعل. اختلط في بداية خدمته بالخطاة الذين جاء لخلاصهم بقبول معموديَّة يوحنَّا (متَّى 13:3-17؛ راجع مرقس 38:10-39؛ لوقا 50:12)، وفي موته دفع الفدية التي يتحرَّر بها الناسُ من قوَّة الخطيَّة وذنبها ويتمكّنون من الدخول إلى ملكوت الله (مرقس 45:10؛ 22:14-24؛ يوحنَّا 11:10، 17؛ 32:12). كان موته تتويجاً لخدمةٍ مَنَحَ فيها الشفاءَ للمرضى والحريَّةَ لمن كانت تسكنهم الشياطين، والمَحبَّةَ والرجاءَ للبائسين والمنعزلين، والمواجهةَ الأخلاقيَّة مع المذنبين. لقد جعلته مثل هذه المُهمَّةُ في صراعٍ مُستمرّ مع الذين انحازوا إلى قُوى الشرّ (متَّى 1:4-11؛ مرقس 1:2-6:3؛ 27:11-40:12؛ لوقا 20:11). وقاده الاستعراضُ الأخيرُ إلى الصليب وإلى ما بدا أنه هزيمة– ولكنه قاده في الواقع إلى تبرئةٍ من الله وهزيمةٍ للشرّ (يوحنَّا 31:12-33).

 

خامساً، يمكننا إذاً أن نرى في خدمةِ يسوع إعلانَ الله في كُلٍّ من مَحبَّته التي تُمنَحُ إلى أقصى الحدود لخلاص الخطاة (مرقس 15:2-17؛ لوقا 1:15-10) ودينونتِه للرياء والخطيَّة (متَّى 23). وبما أنّ يسوع أحبَّ الخطاة ولكنه حذَّر من خطيَّتهم، فقد دعا الناسَ لقبولِ حُكمِ الله بجميعِ بركاته والتزاماته. ونشأتْ عن مجيئه أزمةٌ كان على الناس فيها أن يُقرِّروا إمَّا أن يقبلوا اللهَ أو يعارضوه، بحيث لا يمكن أنْ يبقى أحدٌ دون قرارٍ أو على الحياد. "مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ" (لوقا 23:11).

 

موت يسوع وقيامته (لوقا 22-24)

 

لا يمكن لأحدٍ أنْ يقرأ قصَّةَ موتِ يسوع دون أنْ يدركَ أنها كانت تختلف اختلافاً ملحوظاً عن قصَّةِ موتِ أيّ إنسانٍ آخر وأنها تتطلَّب نوعاً من التفسير. لقد كان موته بالطبع من أكثر أشكال الموت قسوةً وألماً، وتحدَّثَ المُؤلِّفون المعاصرون عن الصلب والرعبُ ظاهرٌ في أصواتهم. ومع ذلك، لم يكن هذا هو ما جعل موتَ يسوعَ فريداً. فقد تعرَّضَ مئاتُ الأشخاص الآخرين، وربَّما الآلافُ، للتعذيب المُروِّع نفسه واتَّضحَ مصيرُهم في الاكتشاف الذي تمَّ سنة 1968 للهيكل العظميّ لشابٍ صُلِبَ في فلسطين في القرن الأوَّل. كان هذا هو المصيرَ الطبيعيَّ للعصاة والعبيد المُتمرِّدين، إلّا أنَّ يسوعَ ثبتَتْ براءَتُهُ من أيَّةِ تهمةٍ أمام الحاكم الرومانيّ الذي استجوبه (لوقا 13:23-16). وقد حُكِمَ عليه بالموت بتهمة كونه "ملكَ اليهود"، لكنَّ اليهودَ هم الذين حرَّضوا على موته وحرَّفوا العدالةَ لتحقيقِ غايتهم. واجهَ يسوعُ موتَهُ عن طيبِ خاطرٍ مختاراً عدم الفرار منه. في الواقع، ربَّما كان قد عجَّلَ به بالذهاب طوعاً إلى أورشليم. ومع ذلك، فإنَّ التفكيرَ في موته سبَّب له عذاباً مُبرِّحاً للنفس، وقد كان يتوق لإمكانيَّة عدم مواجهته (مرقس 36:14).

 

قدَّمَ تلاميذ يسوع بعد موته أروع التأكيدات عنه. أكَّدوا على أنه كان المسيَّا المصلوب أو ملك اليهود، وهي فكرةٌ لم تخطرِ البتّة على بالِ الناس الذين كانوا يتوقَّعون ملكاً منتصراً، والذين خطَّطوا ألّا يدعموا الديانةَ الجديدةَ المتمركزةَ على يسوع (1 كورنثوس 23:1؛ "المسيح " كلمةٌ يونانيَّة تعني "المسيَّا" بالعبريَّة، أي "(الملك) الممسوح"). أكَّد تلاميذ يسوع أيضاً على أنه رغم كونِ الأشرار أسلموا يسوع للموت، فإن هذا كان حقَّاً بحسب خُطَّة الله المدروسة (أعمال الرُسُل 23:2). وقالوا إنّ يسوعَ ظهرَ لهم بعد موته، وإن هذا كُلَّه أظهر أنه ابنُ الله (غلاطية 20:2).

 

قد نجد دليلاً على معنى هذا الموت الغريب في صرخة المصلوبِ المُميَّزة: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (مرقس 34:15، اقتباساً من المزمور 1:22). والتفسيرُ الأكثرُ احتمالاً لهذه الكلمات هو أنَّ يسوعَ شعرَ أنّ الله، الذي كان يخاطبه عادةً بأكثر العبارات ألفةً مثل "الآب"، قد تخلَّى عنه. يبدو أنه يوجد تفسيرٌ واحدٌ مناسبٌ لهذه التجربة. فيسوع، الذي بملء اختياره "أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ" (لوقا 37:22)، كان في ذلك الوقت شديدَ الاختلاطِ بالخطاة من خلالِ حملِ عِبْءِ خطيَّتهم التي شعر بها لدرجة الإقصاء من الشركة مع الله ومن معونة الله وهو النتيجة الحتميَّة للخطيَّة (راجع غلاطية 13:3). وشهادةُ العهدِ الجديد بالإجماع هي أنّ ما فعله يسوع على الصليب كان من أجلنا. وبسبب ما احتمله لم نَعُدْ بحاجةٍ أبداً للمعاناة من ذلك الإقصاء من حضور الله، الذي هو نتيجةُ الخطيَّةِ وعقوبتُها. كلمة "البديل" هي الكلمة الوحيدة الكافية لوصفِ دورِ يسوع على الصليب، وهي تعني أنّ يسوع في مَحبَّته عانى من أجلنا، وبالتالي لسنا بحاجةٍ أبداً للمعاناة من عقوبة خطايانا.

 

لا تنتهي قصَّةُ ما فعله الله من أجل البشر الخطاة  في الصليب، فالقيامةُ هي عملُ قوَّتِهِ الذي ختمَ به عملَ ابنه. يجب فهم القيامة على أنها حدثٌ تاريخيّ بالمعنى نفسه الذي يُحسَبُ فيه موتُ يسوع حدثاً تاريخيَّاً. يعني هذا أنها حدثت بالفعل حتَّى لو لم يرَ أحدٌ يسوع يقوم بالفعل من الموت، وحتَّى لو لم يرهُ حيّاً بعد موته سوى عددٌ قليلٌ نسبيَّاً من الناس. من المُؤكَّد أنّ كلا الحدثين أعظمُ من مُجرَّد حدثين "تاريخيّين". ففي كُلّ حالةٍ كان الفاعل هو ابنَ الله، وكانت لكُلّ فعلٍ آثارٌ روحيَّة، لكنَ النقطة التي يجب التأكيد عليها هي أنّ القيامة كانت "تاريخيَّة" بمعنى أنّ شيئاً ما قد حدثَ بالفعل في هذا العالم أثَّرَ على أحداثٍ أخرى، حتَّى إذا كان من المستحيل إثبات ذلك لأكثر المُتشكِّكين تشدُّداً في حدوثه. وما ينبغي رفضُهُ هو أنّ قيامةَ يسوع كانت مُجرَّدَ اقتناعٍ في أذهان التلاميذ دون أساسٍ في التاريخ.

 

يتعلَّق اهتمامُنا هنا بأهميَّة هذا الحدث. لقد كان دليلاً على عدالة الله في أنّ معاناةَ يسوع البارّ لم يكن ليُسمَحَ بها دون إثباتِ براءةِ يسوع. يمكن للمسيحيّ أنْ يثقَ بأنّ الله الذي أقام يسوع من بين الأموات هو السلطانُ الأخلاقيّ للكون، وسوف يُبرِّئ كُلَّ بارّ مُتألِّمٍ يؤمن به وسوف يأتي به إلى محضره (2 كورنثوس 14:4). والقيامة أيضاً دليلٌ على أنّ الله قد قَبِلَ موت يسوع على الصليب كوسيلةٍ كاملةٍ وكافيةٍ لخلاصِ البشريَّة كافَّةً (أعمال الرُسُل 32:2-36). وفي الوقت نفسه، أظهرتِ القيامةُ أنّ قوَّةَ الموت، أي الموت الجسديّ والروحيّ، ليست نهائيَّةً لأنّ الله يمكنه إقامةُ الأموات إلى حياةٍ جديدة خارج القبر. قيامة يسوع هي باكورة قيامة المؤمنين (1 كورنثوس 23:15). وبالتالي، فإنّ القيامة هي علامةُ نصرةِ المسيح على الخطيَّة والموت، وهي ضمانُ الحياة لشعبه.

 

رأى التلاميذُ يسوعَ للمرَّة الأخيرة بعد أربعين يوماً من القيامة، وصعد إلى السماء أمام أعينهم. كان يجب أن يظهرَ يسوعُ ظهوراً استثنائيَّاً لشاول الطرسوسيّ في وقتٍ لاحق (أعمال الرُسُل 1:1-11؛ 1:9-22). وبالتالي، كان الصعود يُمثِّل مغادرةَ يسوع ككائنٍ منظور من الأرض إلى يوم عودته بالطريقة نفسها التي غادر بها (أعمال الرُسُل 11:1؛ الرؤيا 7:1). ومع ذلك فهو ليس "غائباً" من الناحية الروحيَّة. فالمُعزِّي الآخر، أي روحُ المسيح غير المنظور، يأخذ مكانه بحيث أنه، بمعنىً حقيقيّ جدَّاً، يبقى مع شعبه، وسوف يبقى معهم إلى نهاية العالم (متَّى 20:28؛ يوحنَّا 16:14، 18). ولحين قدوم ذلك اليوم، يقول المزمور 1:110 باللغة الرمزيَّة إن يسوع جالسٌ على يمين الله الآب (العبرانيّين 13:1). لقد دخل السماء كإنسانٍ (العبرانيّين 14:4-16)، وتكمنُ أهميَّةُ جلوسِهِ إلى جانبِ الله في أنه أكمل عملَهُ الكفَّاري وأحرزَ للبشر خلاصاً أبديَّاً (العبرانيّين 12:10-14). وكُلّ ما يتبقَّى هو أن ينتظرَ المسيحُ النصرةَ الأخيرة على الشرّ (1 كورنثوس 25:15؛ العبرانيّين 13:1).

 

الحاجة إلى الصليب (أفسس 1:2-16)

 

اكتفينا إلى الآن بالإشارة إلى الحقائق المتعلّقة بعمل يسوع، مع أنّنا لم نقدرْ على فِعل ذلك دون استخدام المصطلحات اللاهوتيَّة. والآن ينبغي أن نُفكِّرَ بمزيدٍ من التفصيل في الأهميَّة اللاهوتيَّة للأحداث المُسجَّلة في الأناجيل، ولهذا الغرض ينبغي أنْ نستعمل بطريقةٍ خاصَّة ما قدَّمتْهُ الرسائل من تفسيرٍ عقائديّ.

 

لقد رأينا بالفعل أنّ جميع الناس يُعتبَرون خطاةً في نظر الله، فقد اختاروا أنْ يطيعوا الخطيَّة بدلاً من الله، ونتيجةً لذلك فهُمْ يخضعون لدينونته. دخلوا في عبوديَّةٍ لا يجدون منها أيّ مهربٍ، وهم عرضةٌ للموتِ كعقوبةٍ عن خطيَّتهم.

 

يمكن القول في هذه الحالة إنه توجد ثلاث مشكلاتٍ. كيف يمكن لله أن يعيدَ الناسَ من مَحبَّة الخطيَّة إلى مَحبَّته هو؟ كيف يمكنُ أن يغفرَ للخطاة دون التغاضي عن خطيَّتِهم أو إنكارِ معارضتِه الشديدة لها؟ وكيف يمكنه تحريرُ الناس من الخطيَّة ليصبحوا خادمين طائعين؟ من المُهمّ أنْ ندرك أنّ هذه كانت ولا تزال مشكلاتٍ أمام الله. يوحي بعض الكُتَّاب بأنّ الصعوبات كُلّها تكمن لدى البشر. فبما أنّ البشر يدركون خطيَّتهم فليست لديهم الرغبة في العودة إلى الله ولا القدرة على ذلك، ويخافون من أنه إذا حاولوا العودةَ فلن يقبلَهم. ولكنَ هذا ليس سوى نصفَ القصَّة. بالمعنى الحقيقيّ، يواجهُ الله صعوبةً لأنه لا يمكنه التغاضي عن الخطيَّة، ومع ذلك يتوق لاستعادة الأشرار إلى فضله. تزول على الصليب جميعُ الحواجز بين الله والبشر، ويصبح من الممكن أنْ يغفرَ اللهُ الخطيَّة، وهكذا يفتح الطريقَ أمام الناس للعودة إلى الله.

 

الصليب يُظهِر مَحبَّةَ الله (1 يوحنَّا 7:4-12)

 

يُؤكِّد كُتَّابُ العهد الجديد على أنّ استعادةَ السلام بين الله والخطاة تنبعُ من مَحبَّةِ الله الآب. قدَّم علماءُ اللاهوت أحياناً انطباعاً بأنّ يسوع اضطرَّ لتهدئة إلهٍ غاضبٍ وانتزاعِ الغفران من قاضٍ لا يشاء أنْ يغفر. ومثل هذه الآراء قد تجدُ أساساً في المواضع التي يقال فيها إن يسوع يتوسَّط لنا عند الآب (رومية 34:8؛ 1 يوحنَّا 1:2). ولكن هذا يعني إساءةَ فهمِ هذه المقاطع، وإقحامَ استعارةِ الشفاعة بما يتجاوز معناها المقصود. لا يردُ في أيّ مقطعٍ أن الآبَ غيرُ راغبٍ في الاستجابة لعمل الابن بالنيابة عنَّا. على العكس، بذل الآبُ ابنَه ليموتَ عنَّا لأنه هكذا أحبَّ اللهُ العالمَ (يوحنَّا 16:3). بيّنَ اللهُ الآبُ مَحبَّتَه لنا في الصليب (رومية 8:5). لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين (رومية 32:8؛ راجع أفسس 7:2؛ تيطس 4:3؛ 1 بطرس 3:1؛ 1 يوحنَّا 9:4-10). فمَحبَّةُ الآب هي التي بدأتْ فعلَ المصالحةِ بينه وبين الخطاة.

 

وبالتالي، ينبغي النظرُ إلى الصليب على أنه نداءُ اللهِ اللطيفُ لنا بأنْ نعودَ إليه ونتركَ خطايانا. فهو إظهارُ مَحبَّتِه للخطاة. وهذه المَحبَّة تمتدُّ لجميع الخطاة. فهي كونيَّةٌ في مقصدها، حتَّى وإنْ لم يستجبْ جميعُ الناس لندائها: لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ (تيطس 11:2). أكَّدَ بعضُ المُفكِّرين على أنّ هذا يوجزُ كُلَّ ما يمكن قوله. فإظهارُ مَحبَّةِ اللهِ وسيلةٌ كافيةٌ للمصالحة أو الكفَّارة بينه وبين الخطاة. لكنّ هذا أبعدُ ما يكون عن الحقيقة. فمن الخبراتِ المؤسفة الواقعيّة، نرى أنّ مُجرَّدَ إظهارِ المَحبَّة لا يمكنُه أن يكسرَ قوَّة الشرّ أو يمسحَ ذنبَ الخطيَّة. فمَحبَّة الوالدين لابنٍ مُتمرِّدٍ متورّطٍ في أعمالٍ إجراميَّة قد تجعلُهُ يريد التخلّي عن طُرقِه الشرّيرة، لكنها لا تستطيع أن تكسرَ هيمنةَ الجشع في قلبه، ولا يمكنها مسحُ الجريمة التي ارتكبها بالفعل. ينبغي أن تكونَ مَحبَّةُ الله المنظورة على الصليب مَحبَّةً فدائيَّة حتَّى تكون ذاتَ تأثيرٍ. فالصليب يُظهِر لنا المَحبَّةَ عمليَّاً، والله يفعلُ شيئاً لتقديم خلاصنا، ونظراً لأنّ محبّته هي من هذا النوع فهي تملكُ القدرةَ على ردِّنا إلى الله.

 

الصليب كتقدمةٍ كفَّاريَّة (العبرانيّين 9)

 

كان تشريع العهد القديم ينصُّ على أنْ يُقدِّمَ الخطاة تقدمةً لله كوسيلةٍ لضمان الغفران عن خطاياهم. وقد وُجِدَتْ أشكالٌ مختلفةٌ من الذبائح لأغراضٍ مختلفة. كانت الذبيحة أحياناً ببساطةٍ وسيلةً للتعبير عن الشكر لله، أو علامةً على الشركة بين المُتعبِّدين والله، ولكنّ بعض الذبائح على وجه التحديد كانت تُقدَّم للتعامل مع الشعور بالذنب بسبب الخطيَّة. والفكرة هي أنْ يعترفَ الخاطئ بخطاياه لله ويُقدِّمَ ذبيحةً حيوانيَّة إلى الله الذي كان يقبل موتها، مثلما يرمزُ إليه سفكُ دمِ الذبيحة، كتقدمةٍ كفَّاريَّة عن الخطيَّة (اللاويّين 11:17؛ العبرانيّين 22:9). كان الله يقبل موتَ الحيوان بدلاً من موت الخاطئ كتقدمةٍ للخطيَّة مع الشرط الدائم في استخدام الخاطئ للتقدمة للتعبير عن توبته.

 

يستخدم العهدُ الجديد لغةَ الذبائح الواردةِ في العهد القديم للتعبير في استعارةٍ جريئة عن أهميَّةِ موت يسوع. يُستخدَم مصطلحُ "الدم" المرتبط بالذبائح أكثرَ من أيّ مصطلحٍ آخر للإشارة إلى موت يسوع (مرقس 24:14؛ يوحنَّا 53:6-56؛ أعمال الرُسُل 28:20؛ رومية 25:3؛ 9:5؛ كولوسي 20:1؛ العبرانيّين 14:9؛ 11:13-12؛ 1 يوحنَّا 7:1؛ الرؤيا 5:1). ونرى روعة هذا عندما نتذكَّر أنّ موتَ الصلب لم ينطوِ على سفك الدم إلى أيّ حدٍّ كبير. نُؤكِّد على أنّ يسوع يُدعَى حمل الله (يوحنَّا 29:1؛ 1 بطرس 19:1؛ الرؤيا 6:5)، ويوصَفُ موتُهُ كذبيحةٍ كفَّاريَّة لله (أفسس 2:5؛ العبرانيّين 5:10-7). ليس هذا وحسب، ولكن عندما ينظر كُتَّاب العهد الجديد إلى العهد القديم في ضوء موت يسوع، فإنهم يُؤكِّدون على أنّ الذبائح القديمة لم تكن فعَّالة في حدّ ذاتها – فكيف يمكن لدم ثيرانٍ أو تيوسٍ أن يرفع خطايا (العبرانيّين 4:10)؟ ولكنها كانت بالأحرى صوراً أو "نماذجَ" قدَّمها الله وفَّرت تمثيلاً نفهمُ بواسطته الذبيحةَ "الحقيقيَّة"، أي ذبيحة يسوع. فذبيحةُ يسوع هذه هي التي أضفَتْ على الذبائح الحيوانيَّة فعاليَّتَها لأنه كان من المفترض أنْ تكونَ مُؤشِّراتٍ لها (العبرانيّين 9:9-14؛ 1:10-4). ولذلك، ينبغي النظر إلى الصليب على أنه فِعلٌ في الزمن له نتائجُ أبديَّة حتَّى يتمكَّنَ الله من غفران الخطايا التي ارتُكِبَتْ قبله وبعده.

 

والذبيحة مُكلِّفة. كان يتعيَّن على المُتعبِّد أن يتخلَّى عن شيءٍ ثمين عندما يُقدِّم تقدمته؛ وكانت تكلفة ذبيحة الله أنه تخلَّى عن ابنه ليحتمل آلام الصليب. لكن فكرة التكلفة هذه ليست سوى جزءٍ من المفهوم. فالذبيحة أيضاً شيءٌ يُعمَل لمصلحة شخصٍ آخر (أو لمصلحة قضيّة مُعيَّنة). لن يصبح موتي تضحيةً إلَّا إذا حاولتُ إنقاذ شخصٍ ما من منزلٍ محترق: وإلَّا فقد لا يكون أكثر من مُجرَّد حادثٍ مأساويّ. كان المقصود من الذبيحة الحيوانيَّة في العهد القديم أن تكون لمصلحة العابد ولإنقاذه من الموت بسبب خطاياه. ولكنّ الاستخدامَ الكتابيّ للمصطلح لا يزال أعمق من ذلك، وهنا ينفصل عن الاستخدام الحديث للكلمة: الذبيحة تقدمةٌ مُكلِّفةٌ بالنيابةِ عن شخصٍ آخر وهي مُقدَّمةٌ إلى الله. فهي تُقدَّمُ إلى الله للتعامل مع الخطيَّة. يمكن اعتبارها هديَّةً إلى الله للتعويض عن خطأ ما، ولكنها -على مستوىً أعمق -تحمُّلُ العقوبة بسبب الخطيَّة لإنقاذ الخاطئ مِنْ تحمُّلِ تلك العقوبة بنفسه.

 

كان هذا ما فعله يسوع من أجلنا. مات الموتَ الذي هو نتيجة الخطيَّة وعقوبتُها، ولذلك حرَّرنا من الحاجة لنموت ذلك الموت. وفَّر الوسيلة التي "تُغطَّى" بها الخطيَّة و"يُستعطَف" بها غضبُ الله أو يُسترضى. وهكذا استُعيدتِ الشركةُ بين الله والبشر (رومية 25:3؛ العبرانيّين 19:10-20؛ 1 يوحنَّا 2:2). ولكي نصفَ فعلَ يسوع هذا، نحن بحاجةٍ لاستخدامِ تعبير "البدل العقابيّ" الذي ينقل حقيقة كونِ يسوع تحمَّلَ عواقبَ الخطيَّة بالنيابة عن البشر. وبالتالي، عندما يأتي الخاطئ إلى الله ويعترف بيسوع خاضعاً للحُكمِ الإلهيّ على الخطيَّة ويؤمنُ به مُخلِّصاً له، فإنه يجد أنه ليس لديه ما يُقدِّمه لأنّ يسوع عملَ كُلَّ ما هو ضروريٌّ، ولأن الخاطئ نال الغفران من الله الذي كان قد أخطأ بحقّه.

 

الصليب كخلاصٍ من الخطيَّة (الرؤيا 1:5-14)

 

مفهوم الذبيحة هو أهمّ صورةٍ مستخدمةٍ في العهد الجديد للتعبير عن معنى موت يسوع، لأنه يُظهِر أهميَّة الصليب في ردّ الخاطئ إلى علاقةٍ صحيحة مع الله. ولكن عندما نُفكِّر في علاقة الخاطئ بالخطيَّة، يصبح مفهوما النصرة والفداء مُهمَّيْن.

 

يمكن اعتبار خدمة يسوع صراعاً مُستمرَّاً مع قوَّة إبليس الذي سعى لإبعادِ يسوعَ عن طريقه في البداية (متَّى 1:4-9) واستمرّ في معارضته طوال طريقه. وموتُ يسوع يُمثِّلُ النقطةَ المفصليَّة في ذلك الصراع، إذ يمكن اعتبارُهُ محاولةَ الأشرار، بوحيٍ من إبليس (راجع لوقا 3:22)، لإنهاء ما كان يسوع يعمله عن طريق قتله. ولكن تبيَّنَ أنها فشلٌ ذريع لأنّ يسوع قام من الموت ولا يزال عملُه مُستمرَّاً. لم يستطعْ إبليس تجربة يسوع ليوقعه في الخطيَّة أثناء خدمته، ولم يقدرْ على جعله يستسلم لقوَّة الموت. ولكن بالأحرى إبليس هو الذي أدين وهُزِمَ على الصليب، ولذلك فهو عدوٌّ مهزومٌ نهايتُه الأخيرةُ محتومةٌ. وهو يستمرّ في الصراع مثلَ حيوانٍ أصيبَ بجروحٍ قاتلة، ولكنّ موته مسألةُ وقتٍ وحسب (يوحنَّا 31:12). لم يعد بإمكانه هو وأتباعُهُ التغلّبَ على المؤمنين بالمسيح لأنَ يسوعَ المسيح جالسٌ الآن على العرش ربّاً (أفسس 20:1-21؛ فيلبّي 9:2-11؛ العبرانيّين 14:2-15؛ 1 بطرس 22:3).

 

ترتبط فكرة النصرة على إبليس هذه بصورة الفداء، أي تحريرِ أولئك الذين كانوا قبلاً أسرى إبليس والخطيَّة. هذه الصورة أيضاً من العهد القديم، وهي مأخوذةٌ من استخدام الكلمةِ التي تصفُ فعلَ الله العظيم المُتمثِّل في تحرير شعبه من العبوديَّة في مصر. والتشديد هنا هو على التكلفة الباهظة لهذه العمليَّة، وليس على ضرورةِ تنازلِ الله ليدفعَ لشخصٍ من أجل تحرير شعبه (الخروج 6:6؛ نحميا 10:1؛ المزمور 14:77-15؛ 8:130؛ إشعياء 1:43-4؛ 9:63؛ إرميا 34:50). يُصوَّرُ موتُ يسوع على أنه ذروةُ الخلاص الإلهيّ (لوقا 68:1؛ 21:24؛ تيطس 14:2). وفي الوقت نفسه، يمكنُ للصورة أنْ تعكسَ الاحتفالَ القانونيّ الذي يتحرَّر فيه العبدُ من سيِّده القديم عن طريقِ دفعِ ثمنِ فديةٍ (1 كورنثوس 20:6؛ 23:7). موتُ يسوعَ هو الثمنُ الذي دفعه اللهُ لتحرير الناس من الخطيَّة (أفسس 7:1؛ 1 بطرس 18:1) حتَّى يصبحوا الآن خُدَّامَهُ المُستعدّين (١ كورنثوس 22:7-23)؛ وهمْ يتطلَّعون إلى اليوم الذي يُهزَم فيه إبليس أخيراً ومن ثمَّ يدخلون إلى فرح الفداء الكامل (لوقا 28:21؛ رومية 23:8؛ أفسس 30:4).

 

أسئلةٌ للدراسة والمناقشة

 

  1. هل كان سيُفقَد أيُّ شيءٍ من الديانة المسيحيَّة لو لم يكن يسوع إنساناً حقيقيَّاً؟

  2. هل "الناسوتُ الكاملُ لاهوتٌ"؟

  3. بينما تنظر في جميع ألقاب يسوع وأدواره، يمكنك أن ترى أنّ الواحد منها في حدّ ذاته لا يكفي لوصف يسوع. أيّ واحدٍ منها يُؤثِّر عليك بالأكثر؟ هل قبولُ أحدها أصعب من قبول الألقاب الأخرى؟

  4. كيف تصف عقيدةَ كونِ يسوع "البديل" عنَّا؟ حاول عدم استخدامِ لغةٍ كتابيَّة لا يفهمها غير المسيحيّ.

  5. كيف تُشكِّل الجوانبُ الثلاثة للفهم الكتابيّ للصليب كتقدمةٍ كفَّاريَّة فهمك للحدث؟ غالباً ما يُنظَر اليوم إلى أفكار الخطيَّة والعقاب على أنه قد عفا عليها الزمن وغير لائقة بإلهٍ مُحبّ.

  6. "لولا موت المسيح من أجلنا لما كانت توجد أيَّة كفَّارةٍ" (جيه. ديني): لماذا لا؟

  7. كيف تُوصِّلُ أهميَّةَ موتِ يسوع إلى الناس المعاصرين الذين ليسوا على درايةٍ بأفكارٍ مثل الذبيحة والفداء ويعتقدون أنها أفكارٌ عفا عنها الزمن؟