Loading...

الحياةُ رحلةٌ - Lesson 6

معرفة المزيد عن الله

عندما صرتَ مؤمناً فهمتَ بعض الأمور عن الله. ولكن هل تعلم أنّه يعرف كل شيءٍ؟ وأنه حاضرٌ في كل مكانٍ؟ وأنّه قادرٌ على كل شيءٍ؟ كيف ينبغي لنا أنْ نستجيب تجاه معرفة الله غير المحدودة؟ ما معنى العبادة؟ كيف ينبغي لنا أنْ نستجيب تجاه ما نعرفه عن الله؟

Bill Mounce
الحياةُ رحلةٌ
Lesson 6
Watching Now
معرفة المزيد عن الله

Lessons
About
Resources
Transcript
  • ألقِ نظرة على تجربة تحوّلك. من المفضّل دائماً أنْ تلقي نظرة على تجربة تحوّلك. ماذا حدث في رأيك عندما صرتَ واحداً من أتباع يسوع المسيح؟ هل هناك شيءٌ لا تستوضحه؟ هل من الممكن أنْ تكون قد أسأتَ فهم أي شيءٍ؟ هل حدث أي شيءٍ لم تكن على معرفةٍ به؟

  • التغيّر الذي يحدث في حياتك. يعني "التحوّل" أنّكَ تحوّلتَ من وضعٍ إلى وضعٍ آخر. لقد تحوّلتَ من شخصٍ عاديّ إلى تلميذٍ ليسوع. يعني هذا أيضاً أنّ الله يعمل الآن في حياتك، ويبدأ في أنْ يجعلك أكثر تشبّهاً بيسوع. هل هذا يدهشك؟ ما الذي حدث بالفعل عندما صرتَ مؤمناً؟ كيف تبدو هذه الحياة الجديدة لك كواحدٍ من أتباع يسوع؟ هل تتغيّر حياتي تلقائياً؟

  • سوف تعثر في مسيرتك الجديدة مع الله على الرغم من أنّ قوة الله تعمل فيك، وتساعدك لتصبح أكثر تشبّهاً بيسوع. ليس المقصود من هذا انتزاع فرحك بإيمانك الجديد، بل إعدادك لفرح النمو الروحيّ الذي ينتظرك. يعرف الله هذا ولن يفاجئه الأمر، فهذا لن يؤثر سلباً على تعهّده معك. ما معنى "الخطيّة"؟ هل التجربة خطيّة؟ كيف ستخبر الله أنّك أخطأت وأنك آسف؟ هل يغفر؟ هل يمكنك أنْ تطهر؟

  • التواصل عنصرٌ حاسم في أية علاقةٍ، وهو ينطوي على كلٍ من الاستماع والتحدّث. كلّمنا الله بطريقتين أساسيتين، من خلال الخليقة ومن خلال كلمته، أي الكتاب المقدّس. ما معنى مفاهيم "الوحي"، و"السلطان"، و"القانونيّة"؟ هل يمكن أنْ نثق بالكتاب المقدّس؟ كيف أستمع إلى الله فيما أقرأ كلمته؟ هل من المفترض أنْ أفعل أي شيءٍ بعد قراءته؟

  • لا يتطلّب التواصل السليم مجرّد الاستماع بل التحدّث أيضاً. الصلاة ببساطة هي الحديث مع الله، عن أي شيءٍ وكل شيءٍ. الله هو أبونا الجديد، وهو يريد أنْ يسمع صوتك. كيف تصلّي؟ ما الذي تصلّي من أجله؟ ماذا لو كانت لديّ صعوبة في الاستماع إلى صوته؟

  • عندما صرتَ مؤمناً فهمتَ بعض الأمور عن الله. ولكن هل تعلم أنّه يعرف كل شيءٍ؟ وأنه حاضرٌ في كل مكانٍ؟ وأنّه قادرٌ على كل شيءٍ؟ كيف ينبغي لنا أنْ نستجيب تجاه معرفة الله غير المحدودة؟ ما معنى العبادة؟ كيف ينبغي لنا أنْ نستجيب تجاه ما نعرفه عن الله؟

  • يسوع هو أشهر شخصيّة عرفها التاريخ. يفوق تأثيرُه على مجريات تاريخ العالم تأثيرَ أيِّ زعيمٍ آخر أو فلسفةٍ أو حركةٍ سياسيّة. يعرف كثيرٌ من الناس هذا الاسم، ولكن منْ هو؟ ماذا قال عن نفسه؟ ماذا قال أتباعه عنه؟ وما هو مغزى وأهمية هذه الأسئلة وأجوبتنا؟

  • صنع يسوع الكثير من الأشياء عندما كان على الأرض، ولكن أعظم أعماله كان الموت على الصليب. ولكن ماذا حدث بالضبط؟ ما الذي تحقّق؟ ماذا يقصد الكتاب المقدّس عندما يتحدّث عن يسوع كونه "حَمَل الله"؟ هل هناك أي شيءٍ يمكن أنْ يساعدني على فهم أهمية موته. هل أنا بحاجةٍ للتذكير بذلك الموضوع بصفةٍ منتظمة؟

  • يؤمن المسيحيون بالتوحيد، فنحن نؤمن بإلهٍ واحد. نؤمن أيضاً بالثالوث، أي أنّنا نؤمن بثلاثة "أقانيم" للثالوث: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس. من هو الأقنوم الثالث في الثالوث؟ ما هو عمله في الواقع؟ ما هو دوره المستمرّ في حياتي؟ ما معنى قيادة الروح القدس لي وتمكينه إياي؟ هل ينبغي عليّ عمل أي شيءٍ، أم أنّه يتولّى عمل كل شيءٍ؟ كيف يمكن أنْ يكون حالنا لولا عمل الروح القدس؟

  • عندما صرتَ مؤمناً بدأتَ في السير مع الله. هذه عمليةٌ مستمرة يوماً بيومٍ تفقد فيها الخطيّة سطوتها على حياتك تدريجياًّ وتصير أكثر تشبّهاً بيسوع. ولكن بعض الأيام تكون أصعب من غيرها، وخصوصاً عندما تأتي الأوقات العصيبة. لماذا تحدث هذه "الأشياء السيّئة"؟ هل يمكنني الاحتفاظ ببعض جوانب نفسي بعيداً عن الله إذا كان ذلك يساعدني على تجنّب الألم؟ هل هناك أيّة عواقب للسماح للخطيّة بالدخول في بعض جوانب حياتي؟ ما معنى أنْ يكون يسوع هو "المخلّص" و"الربّ"؟

  • عندما نصير أولاداً لله ، نصبح أفراد عائلة جديدة لها أبٌ جديد وأخوات وإخوة جدد ووطنٌ جديد. كيف أتواصل مع هؤلاء الناس؟ هل أنا بحاجةٍ لقضاء بعض الوقت معهم؟ هل هذه مهمةٌ سهلة أم صعبة؟ كيف يمكن أنْ تساعدني الكنيسة الأولى على فهم هذه الموضوعات؟ كيف تبيّن محبتي لله نفسها للآخرين؟

  • ينبغي على التلاميذ تلمذة المزيد من التلاميذ. هذه واحدةٌ من أسعد التجارب في حياتك فيما تشارك الآخرين كيف أحياك الله، وسوف يفعل الشيء نفسه لأصدقائك، وجيرانك، وغيرهم. ليست هذه عمليّة مخيفة، ولكنها طبيعيّة في الواقع للأشخاص الذين تغيّروا ويعيشون حياة متغيّرة. كيف سيستجيب الناس لك؟ ما هي "الشهادة الشخصيّة"؟ كيف أخبر الناس أنّ بإمكانهم أيضاً أنْ يكونوا تلاميذاً ليسوع؟ ماذا لو لم أعجبهم؟

Arabic

مدة منهجنا 12 أسبوعاً، وهو يوجّه الطلّاب في الاتجاه الصحيح، ويشجّع المؤمنين الناضجين على إرشادهم. ومن المعتاد أن يتفاعل الطالب مع المقطع الكتابيّ خلال الأسبوع، ونشجّعه لكي يبدأ في كتابة تأملاته، والصلاة، وحفظ النصوص الكتابية عن ظهر قلب. ثم يستمع الطالب والمرشد كلاهما إلى حديث مدّته ثلاثون دقيقة وتوجد معه ملاحظات دراسية، وبعدها يعملان على الإجابة عن الأسئلة التأملية ويبقى لديهما يومان للتأمل بما تعلّماه.

ويتم النسخ ويمكن تحميلها (انظر إلى اليمين) . ونحن نعمل على المصنف والصوت.

الدَّرْسُ السّادِسُ ■ مَعْرِفَةُ المَزيدِ عَنِ الله

 

عَرَفْنا بعضَ الأُمورِ عَنِ اللهِ عندما صِرْنا مؤمنين. عَرَفْنا أنّ اللهَ موجودٌ، وعَرَفْنا أنَّ اللهَ الاِبْنَ، ماتَ مِنْ أجْلِنا على الصَّليبِ عَنْ خطايانا. ونأْمَلُ أنْ نكونَ قدْ فَهِمْنا أنّ اللهَ، الرّوحَ القُدس، سيُواصِلُ حُضورَهُ معَنا لمُساعدتِنا وإرشادِنا في مسيرتِنا. أودُّ الآنَ أنْ أسْتجليَ صورةَ اللهِ في عُقولِنا. أريدُ أنْ أستجليَها مِنْ خِلالِ مُشاركتِكُمْ بثلاثِ صفاتٍ مِنْ صفاتِه.

هدفي مِنِ اِخْتيارِ هذهِ الصِّفاتِ الثّلاثِ هوَ أنّني أريدُ أنْ أَرسُمَ صورةً لجلالةِ اللهِ وِعظمَتِهِ. أريدُ أنْ تدعوَنا الصّورةُ للخُشوعِ والرَّهبة، وتدعوَنا في نهايةِ المطافِ لِعِبادةِ الله. وقدْ قرّرتُ اختيارَ هذهِ الصِّفاتِ الثلاثةِ تحديداً بطريقةِ الفرز. ومعَ ذلك، لا داعيَ للقولِ إنَّ اللهَ لا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ معرِفةً تامّةً، ولا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ معرفةً كامِلَة. مهما كانَ مُستوى بلاغةِ الكلماتِ التي يمكنُ أنْ أقولَها لكُمْ، لَنْ نقدِرَ أبداً أنْ نَفْهَمَ اللهَ تماماً. ونحْنُ ندعو هذا استحالةَ الفَهْم، إذْ لا يُمكِنُنا أبداً أنْ نعرفَهُ معرفةً كاملة، فاللهُ أبعدُ مِنْ قُدرتِنا على الفهم، ولهذا يقولُ اللهُ على لسانِ النبيِّ إشعياء، "لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (إشعياء 9:55).

لا يُمكِنُنا أنْ نفهمَ اللهَ تماماً. سوفَ ننمو أيضاً في معرفَتِنا بهِ بعدَ وُصولِنا إلى السّماء، وسوفَ يكونُ خارجَ نطاقِ إدراكِنا أيضاً، وسوفَ يَظلُّ غيرَ محدودٍ. وستبقى معرِفَتُنا بِهِ محدودة، لأننا نَحْنُ مَحْدودون. سوف ننمو في معرفةِ الله، والثّقةِ بِهِ، ومحبّتِهِ، والإيمانِ بِهِ طوالَ الأبديّة. ولكنَّنا لنْ نتوصَّلَ أبداً إلى معرفتِهِ معرفةً كاملة، وهذا هوَ مقدارُ لامَحدوديّتِهِ. يا لَعظمةِ اللهِ وجلالِهِ وسلطانِه! لطالَما اعتقدْتُ أنَّ السّماءَ نقطةُ وصولٍ نذهبُ إليها ونَصِلُها فجأةً، ولكنَّ الواقعَ غيْرُ ذلك. نحنُ نستمرُّ في النموِّ ونستمرُّ في التعمُّقِ في مسيرتِنا. ورغمَ استحالةِ إدراكِ الله، هناك بعضُ الأشياءِ التي اختارَ أنْ يكشِفَها لنا. أريدُ التأَمُّلَ في ثلاثٍ مِنْ هذهِ الصِّفات:

 

  • "كُلِّيُّ المَعْرِفَةِ"

 

الصِّفَةُ الأولى هيَ كُلّيّةُ معرفةِ الله. التعليمُ القائِلُ بكُلّيّةِ مَعْرِفَةِ اللهِ مَعْناهُ أنَّ اللهَ يَعْرِفُ كُلَّ شيءٍ معرفةً مُطْلَقة. يبدأُ المرنِّمُ بهذِهِ الملحوظةِ في المزمور 1:139-4 فيقول، "يَا رَبُّ قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا".

اللهُ كُلّيُّ المَعْرِفة، وكُلّيّةُ معرفتِهِ تمتدُّ إلى أفكارِنا وتُغَطّيها، فهيَ تمتدُّ حتى لِمَعْرِفَةِ الكلماتِ التي نكونُ بِصَدَدِ نُطْقِها قبلَ أنْ نعرِفَ ما سوفَ نقولُهُ. ويصاحِبُ هذا التعليمَ حقيقةُ كونِ اللهِ لا يعرِفُ الحاضِرَ والماضي فحسب، وإنما يعرفُ المستقبلَ أيضاً. يقولُ على لسانِ إشعياءَ النبيِّ في إشعياء 9:46-10، "أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ".

إنّ حقيقةَ كونِ اللهِ يعلمُ المستقبلَ هي إحدى العلاماتِ التي يؤكِّدُ بها الأنبياءُ على أنّهُ الإلهُ الحقيقيُّ، وأنَّ جميعَ الآلهةِ الأُخرى آلهةٌ كاذبة، لأنّهُ أخبرَ بالأمورِ الآتيةِ منذُ العصورِ القديمة. يعرفُ اللهُ جميعَ الأمورِ والأفكارِ والكلماتِ في الماضي والحاضرِ والمُستقبَل. هلْ يُمكِنُنا أنْ نستوعبَ حقاً معنى ذلك؟ هلْ يمكِنُنا أنْ نستوعبَ حقاً أنّ اللهَ يعرفُ كلَّ شيء عَنْ جميع النّاس؟ ... أنّ اللهَ يعرفُ كلَّ شيءٍ عَنْ كلِّ شيء؟ إنّهُ يعرفُ كلَّ شيء منذُ القديمِ في الماضي، ويعرفُ كلَّ شيءٍ عَنْ حاضِرِنا، ويعرِفُ كلَّ شيءٍ عَنْ مستقبَلِنا: كلَّ شيءٍ في جميعِ الأوقات، عَنْ جميعِ النّاس، وعَنْ كلِّ شيء.

يعرفُ اللهُ حركاتِ المجرّاتِ البعيدة، ويعرفُ أيضاً عددَ شعورِ رؤوسِنا، وأفكارَنا قبلْ أنْ نفكِّرَ بها. ينفِضُ بولسُ يديْهِ أخيراً بعْدَ أحَدَ عشرَ فصلاً رائعاً في رسالةِ رومية، وبعدَ مُحاولةِ شرحِ خطّةِ اللهِ ويقول، "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الِاسْتِقْصَاءِ!" (رومية 33:11). يقولُ في نهايةِ أحدَ عشرَ فصلاً مِنَ اللّاهوتِ المتعمّق، "مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟" أعتقدُ أنّهُ لا يمكِنُنا أنْ نستوعبَ تماماً معرفةَ اللهِ لكلِّ شيءٍ عَنْ جميعِ النّاسِ وجميعِ الأشياء، ولكنْ ألا يُبْهِجُكُمْ ذلك؟ ألا يُسعِدُكُمْ أنّه لنْ يحدثَ شيءٌ لنا أو لهذهِ الكنيسةِ لمْ يدركْهُ اللهُ قبلَ خلقِ الزّمن؟ إنّهُ لنْ يسيءَ فَهمَنا أبداً لأنّهُ يعرفُنا أفضلَ ممّا نعرفُ أنفُسَنا. ألا يُفرحُكُمْ أنّ اللهَ كُلّيُّ المَعرفة؟

 

 

  • "كُلِّيُّ الوُجود"

 

ليسَ اللهُ كُلّيَّ المعرفَةِ فقطْ، ولكنَّهُ أيضاً كُلّيُّ الوُجود. وكُلّيّةُ الوجودِ هيَ التعليمُ القائلُ بأنّ اللهَ موجودٌ في كلِّ مكانٍ. تقولُ آياتُ المزمور 7:139-12، "أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ. فَقُلْتُ: "إِنَّمَا الظُّلْمَةُ تَغْشَانِي"، فَاللَّيْلُ يُضِيءُ حَوْلِي! الظُّلْمَةُ أَيْضاً لاَ تُظْلِمُ لَدَيْكَ وَاللَّيْلُ مِثْلَ النَّهَارِ يُضِيءُ. كَالظُّلْمَةِ هَكَذَا النُّورُ."

اللهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ حتماً. ليستِ المسألةُ أنّ اللهَ عظيمٌ أو جبّارٌ، ولكنَّ اللهَ بكُلِّ بساطةٍ ليسَ لهُ بُعدٌ مكانيٌّ على الإطلاق. يقولُ يسوعُ في إنجيلِ يوحنّا 4 عندما يتحدَّثُ إلى المرأةِ السّامرية، "اَللَّهُ رُوحٌ". والمقصودُ مِنْ هذا التعبيرِ أنّه ليسَتْ للهِ أبعادٌ مكانيّةٌ على الإطلاق. إنّه موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في واقعِنا، وموجودٌ في كُلِّ مكانٍ في واقعِهِ، الذي هوَ أكبرُ بكثيرٍ مِنْ واقعِنا. اللهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ قطْعاً، وبالتالي ليسَ هناكَ مَكانٌ لا يوجدُ اللهُ فيه. 

عندما كنتُ صغيراً، كنتُ أعتقدُ أنّ اللهَ متمركزٌ في منطقةٍ محدَّدةٍ، ولكنّهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ، فهو يقفُ بجانبي وجانبِكُم. كنتُ أميلُ للاعتقادِ بأنّ اللهَ يوجدُ في مكانٍ مُعيَّنٍ هُنا، وفي مكانٍ مُعيَّنٍ هناك. هكذا كانتْ رؤيتي عَنِ اللهِ دونَ التفكيرِ في الأمر. كنتُ في مكتبي ذاتَ يومٍ أقرأُ سفرَ أعمالِ الرّسلِ 28:17 الذي يتحدّثُ بولسُ فيهِ معَ الفلاسفةِ الأثينيّين. يحاولُ بولسُ التأكيدَ على أنّ اللهَ ليسَ صنماً فيقول، "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ". أوقفَتْني هذهِ الآيةُ وبدأْتُ التأَمّلَ فيها. إنَّ هذهِ الآيةَ "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" هيَ نوعٌ منَ الفكرِ الصّوفيّ. ماذا يعني ذلك؟ اختبرتُ واحدةً منَ اللحظاتِ السّرياليةِ في حياتي عندما تنسَّمْتُ هواءَ المَروحة، وذكَّرني بالمقطعِ الموجودِ في إنجيلِ يوحنّا 4. يقارنُ يسوعُ الريحَ التي تهُبُّ حيثُ تشاء، وأنتَ تسمعُ صوتَها، معَ الرّوحِ القدس. هذهِ توريةٌ في إنجيلِ يوحنّا لأنَّ الكلماتِ نفسِها يُمكنُ ترجمتُها هكذا "الرّوحُ يتكلَّمُ وتسمَعُ صوتَهُ". وقَدْ فوجئتُ بأنّهُ مِثلَما نوجدُ في الرّيحِ والهواء (في كُلِّ مكانٍ مِنْ حولِنا ونحنُ جميعاً نوجَدُ فيه)، هكذا نوجَدُ أيضاً في الله. نحنُ نحيا بالله، ونتحرَّكُ ونوجَدُ بِهِ.

لسْنا نؤمِنُ بِمَذْهبِ وحدةِ الوُجود، أيْ أنّنا لا نُؤْمِنُ بأنَّ الرّيحَ هيَ الله. ومعَ ذلكَ، نؤمنُ بأنّ اللهَ خلقَ كلَّ شيءٍ، ورغمَ هذا فهوَ منفصلٌ عَنِ الخليقةِ بأكمَلِها. يقولُ بولسُ للفلاسفةِ الوثنيّين، "... لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ"، فهذا الأمرُ لا يخصُّ المؤمنينَ وحدَهُمْ. اختبرْتُ تجربةً رائِعَةً حينَ بدأْتُ أدرِكُ أنَّ اللهَ ليسَ متمركزاً في منطقةٍ محدَّدَةٍ واقفاً بِجواري أو جالساً بجوارِكُمْ، ولكنّهُ في كُلِّ مكانٍ قطعاً. ومثلما نعيشُ نحنُ في الهواء، ومثلما توجدُ المجرّاتُ في الفضاء، هكذا توجدُ جميعُ الأشياءِ (أنتَ، وأنا، وملايينُ النّجومِ والمَجرّاتِ) في الله. نحنُ نحيا ونتحرَّكُ ونوجدُ بِهِ: هذهِ هيَ كُلّيّةُ وُجودِ الله.

يمكنُكُمْ إضافةُ المزيدِ أيضاً! لا أقصدُ أنّ اللهَ منتشرٌ في جميعِ أجزاءِ الخليقة. هلْ سبقَ وفكّرْتُمْ قائلين، "طالما أنّهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ، فهذهِ مُجرّدُ قطعةٍ صغيرةٍ منْهُ"؟ اللهُ موجودٌ بملئِهِ في كُلِّ مكانٍ في الخليقة، ولهذا السّببِ نحظى بانتباهِهِ التّامِ عندما نُصلّي لَهُ. وبينما هوَ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ، فإنّهُ موجودٌ في كُلِّ موقعٍ بملئِهِ وبِاكتمالِهِ. هلْ تقدرونَ على استيعابِ ذلك؟ إنّي لا أقْدِرُ! ولكنْ ألا يَسرُّكُمْ أنْ يكونَ اللهُ كُلّيَّ الوُجود؟ ألا يُسعدُكُمْ أنّهُ لا يوجدُ مكانٌ يمكِنُنا أنْ نختبئَ فيهِ عنْهُ؟ إنّهُ موجودٌ أينما ذهبْنا. يقولُ سفرُ المزاميرِ إنّهُ حتى لوْ ذهَبْنا إلى مكانٍ ما، وطلبْنا مِنَ الصُّخورِ أنْ تَسقُطَ عليْنا، فسوفَ نَجِدُ اللهَ هناك. لا يمكِنُنا أنْ نهربَ منْهُ أوْ مِنْ خطايانا. ألا يُبهجُكُمْ أنّ اللهَ لا يحدُّهُ مكانٌ ولا ينقطِعُ عَنْ مساعدَتِنا، وتشجيعِنا، ومحبّتِنا، وإرشادِنا. إنّ اللهَ موجودٌ تماماً حتى في أفكارِنا. اللهُ كُلّيُّ الوُجود؛ إنّهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ.

 

ج. "كُلُّيُّ القُدْرَةِ"

ليس اللهُ كُلّيَّ الوجودِ فقَطْ، ولكنَّهُ أيضاً كُلّيُّ القُدرة. إنّهُ إلهُنا القديرُ والقادرُ على كُلِّ شيء. نميلُ لاستخدامِ كلمةِ "القديرِ" للتعبيرِ عَنْ هذا جنباً إلى جنبٍ معَ كُلّيّةِ القُدرة. فاللهُ إلهٌ قديرٌ إذْ يُنفِّذُ حُكْمَ سُلطانِهِ، أو حُكمَ مُلكِهِ، على خليقتِه. إنهّ إلهٌ قديرٌ وكُلّيُّ القُدرة.

إذا واصَلْنا قراءةَ المزمور 13:139-16، سنجدُ المرنّمَ يقولُ هذا على وجهِ التّحديد، "لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَباً. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذَلِكَ يَقِيناً. لَمْ تَخْتَفِ عَنْكَ عِظَامِي حِينَمَا صُنِعْتُ فِي الْخَفَاءِ وَرُقِمْتُ فِي أَعْمَاقِ الأَرْضِ" (استعارة المرنّمِ عَنْ بطْنِ أُمِّهِ). "رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَوَّرَتْ إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا". يسبّحُ المرنّمُ اللهَ فيقول، "أنتَ شكلّتَ حياتي. أنتَ إلهٌ قدير. سجّلْتَ أيّامَ حياتي حتى مِنْ قَبلِ وُجودي. أنتَ إلهٌ قدير". ويكتبُ في موضعٍ آخرَ في سفرِ المزامير، "إِنَّ إِلَهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ". التعريفُ الكتابيُّ لكُلّيّةِ وجودِ اللهِ هوَ أنَّ اللهَ يُمكنُهُ أنْ يفعلَ أيَّ شيءٍ يُريدُهُ لأنهُ لا تَحدُّهُ قُيودٌ حينَ ينفِّذُ مشيئَتَهُ.

أودُّ أنْ أكرّرَ أنّنا لا نقدرُ على فهمِ هذهِ الصفةِ مِنْ صفاتِ اللهِ فَهْماً تاماً. ولكِنْ ألا يُسعِدُكُمْ أنَّ اللهَ كُلّيَّ القدرةِ وأنّهُ صاحبُ السّلطانِ على جميعِ خليقتِهِ؟ ألا يُبهجكُمْ أنّه يمكنُنا أنْ نعرفَ يقيناً أنّ سفرَ الرؤيا حقيقيّ؟ إنّ اللهَ قديرٌ بحيثُ يمكنُنا أنْ نثقَ تماماً أنّهُ في نهايَةِ الزّمانِ سينتصِرُ ويهزِمُ الشّيطانَ. كُلّيّةُ قدرةِ اللهِ معْناها أنّهُ قادِرٌ على تحقيقِ ذلك. ألا يسرّكُمْ أنَّ اللهَ كُلّيُّ القُدرة؟

عندما نقرأُ أنّهُ لا شيءَ يُمكنُ أنْ يفصِلَنا عَنْ محبّةِ اللهِ في المسيحِ يسوع، فإنّنا نعلمُ أنَّ أقوى قوّةٍ في الواقعِ ضمنَتْ لنا أنّهُ لا شيءَ يمكنُ أنْ يفصلَكُمْ أو يفصلَني عَنْ محبّةِ اللهِ في المسيحِ يسوع: لا شيء. نحنُ قادرونَ، حتى في خِضَمِّ الألم، بأنْ نستودعَ أنفسَنا للهِ الكُلّيِّ القُدرة. وحتى عندما تسوءُ الأمورُ إلى أشدِّ ما يمكن، فإنّ اللهَ إلهٌ قادرٌ على كُلِّ شيء، ونحنُ نعلمُ أنّ بإمكانِهِ أنْ يحمِلَنا في أثناءِ المِحَن. يشيرُ بطرسُ إلى هذهِ النقطةِ في بطرسَ الأولى 19:4 ويقول، "فَإِذاً، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ". وحتى عندما نعاني ونُضطَهَدُ بسببِ إيمانِنا المسيحيّ، فاللهُ لا يتغيّرُ وهوَ قديرٌ. لنستودعْ نفوسَنا لهُ لأنّ هذا هو أفضلُ الحُلول. اللهُ كُلّيُّ المعرفة، وكُلّيُّ الوُجود، وكُلّيُّ القُدرة. هذا هوَ إلهُنا. هذا هو أبونا السّماويُّ الذي ضمَّنا بينَ ذراعيْهِ عندما صِرْنا أولاداً له. هذا هو أبونا السّماويُّ الذي نحيا بينَ ذراعيه.

 

د. اِسْتجابَتي: العِبادة

السّؤالُ المِحوريُّ الآن هو: كيفَ ستكونُ استجابتُنا تجاهَ ذلك؟ هذا السّؤالُ ليسَ استفساراً أكاديمياً في مساقٍ لاهوتيّ! كيفَ ستكونُ استجابتُنا؟ هناكَ طريقةٌ واحدةٌ فقطْ للاسْتجابةِ وهيَ العِبادة. فاستجابتُنا المناسِبةُ الوحيدةُ عندما نتلامسُ معَ أعمالِ اللهِ وصفاتِهِ هيَ العبادة. ونحنُ بحاجةٍ لفهمِ معنى العبادةِ فهماً واضحاً لأنّها في غايةِ الأهمية.

 

  1. "العِبادة"

ربّما لا يفهمُ المؤمنونَ الجُددُ الآنَ أنّ الكنيسةَ وقعَتْ في خضمِّ حروبِ العبادةِ في محاولةٍ منها لمعرفةِ معنى العبادة. إنّي أقولُ لكُمْ إنّ الترتيلَ ليسَ عبادةً. هلْ أنتمْ على علمٍ بذلك؟ الترتيلُ ليسَ عبادة. فالترتيلةُ يمكِنُ أنْ تُصبحَ أداةً للعبادة، ولكنَّ المجيءَ للكنيسة، والترتيلَ لمدّةِ نصفِ ساعةٍ ليسَ بالضرورةِ عبادة.

ما هيَ العبادةُ إذاً؟ ما هو تعريفُها؟ تُشتَقُّ كلمةُ العبادةِ worship في اللغةِ الإنجليزيّةِ مِنْ جُزءينِ هما "worth" و"ship". صيغَتْ كلمةُ عبادة لِتَعْنيَ نَسْبَ القيمة. الكلمتانِ اليونانيّة والعبريّة، اللتانِ تُشتَقُّ منْهُما التّرجمةُ الإنجليزيّةُ لكلمةِ عبادة، تَنقُلانِ أفكارَ السّجودِ والخدمة. سمعْتُ أنّ أحدَ تعريفاتِ العبادةِ هو الرّكوعُ بِجُملَتِنا أمامَ اللهِ بجميعِ صفاتِه، وهذا تعريفٌ رائعٌ للعبادة.

 

  1. الاِسْتجابةُ لإعلانِ الله

أريدُ أنْ أتحدّثَ عَنْ تعريفٍ آخر، وهو أنّ العبادةَ هي استجابتُنا الأمينةُ تجاهَ إعلانِ الله الرؤوف. العبادةُ هي الاستجابةُ الملائمةُ عندما يكشفُ لنا اللهُ صفاتِهِ ونشاطاتِهِ، أي أنَّ العبادةَ تبدأُ بالسّمع. تبدأ العبادةُ بالسّماعِ عَنْ طبيعةِ الله، أيْ صفاتِه.

تبدأُ العبادةُ عندما نسمعُ عَنْ نشاطاتِ الله، وطبيعتِهِ، وأعمالِهِ. ولهذا السّببِ نهتمُّ كثيراً، في هذا السّياق، بالتّأكيدِ على وضوحِ الإعلان. وحين نسعى للتأكّدِ مِنْ وُضوحِ إعلانِ الله، ينعكسُ هذا على أمورٍ كثيرةٍ نفعَلُها هنا في صباحِ يومِ الأحد. فقدْ أثّرَ هذا على مقدارِ المالِ الذي صرفْناهُ على مُكبِّراتِ الصّوت، ونوعِ جهازِ الصّوتِ الذي اشتريْناه، وشكلِ الغُرفَة. عندما أظنُّ بأنَّ وُضوحَ الإعلانِ عَنْ صفاتِ اللهِ ونشاطاتِهِ يتخلّلُ إلى الكثيرِ ممّا أعملُهُ فذلكَ سوفَ يؤثرُ على الطريقةِ التي أبشّرُ فيها، فأنا لستُ هنا للترفيهِ عنكُمْ، بلْ لأعبّرَ بوضوحٍ عَنْ نشاطاتِ اللهِ وَصِفاتِهِ حتّى تسمعوا عنها. وَسَعْيُنا لنرى إعلانَ اللهِ واضحاً يؤثّرُ على قراءَتِنا لكلمةِ الله، وطريقةِ صلاتِنا، وطريقةِ ترتيلِنا. ينبغي أنْ تكونَ كلماتُ تراتيلِنا صحيحَةً. ويجبُ ألّا يعلوَ صوتُ اللّحنِ على قوّةِ الكلمات. نحنُ نعملُ مِنْ أجلِ الوضوحِ طوالَ الوقتِ لأنّ العبادةَ تنطوي على الإعلانِ الواضحِ لصفاتِ اللهِ وأعمالِهِ، وهذا يتخلّلُ تقريباً كلَّ شيءٍ نعملُهُ بينما نستعِدُّ لقضاءِ هذا الوقتِ معكُمْ.

لكنَّ العبادةَ ليسَتْ مُجرّدَ سمعٍ، أليسَ كذلك؟ العبادةُ أيضاً هيَ الاِسْتجابةُ بطريقةٍ ملائِمة. قالَ أحدُهُمْ، "العبادةُ ليسَتْ رياضةً يشاهدُها المُتفَرِّجون، ولا الجالسونَ في مدرّجاتٍ، لكنّها تنطوي على الاستجابة". ينبغي أنْ نستجيبَ لإعلان الله. إذا وُضعَتْ أمامَنا صفاتُ اللهِ وأعمالُهُ، ولم نستجِبْ لها، فنحنُ لسْنا نعبدُ الله. ينبغي أنْ نستجيب.

 

  1. إشْعياء 6

العبادةُ ليسَتْ ترفيهاً، أليسَ كذلك؟ لا تتعلّقُ العبادةُ بطبيعتي أوْ بشعوري. العبادةُ هيَ الإعلانُ الواضحُ عَنْ نشاطِ الله وصفاتِه، وبعدَ ذلكَ استجابتُنا الملائمةُ تُجاهَها. إذا أردْتُمُ التّرفيهَ، أقترحُ عليكُمْ أنْ تَبْقوا في المنزلِ وتقرأوا كِتاباً، لكنَّ العبادةَ أمرٌ مختلِف. تَرِدُ الكثيرُ منَ المقاطعِ في الكتابِ المقدّسِ حولَ هذا الموضوع، ولكنّ أكثرَ المقاطعِ بلاغةً يردُ في إشعياء 6، وفيهِ نكتشفُ معنى العبادةِ الكتابيّةِ الحقيقيّ. يبدأ المقطعُ بالآيةِ الأولى، "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ ( أيْ رأى إشعياء رؤيا أو رُفِعَ إلى السّماء) جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ ( وهُمْ رُتَبٌ خاصّةٌ مِنَ الملائكة) وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ وَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَاناً."

يعرفُ السّيرافيمُ كيفيّةَ العبادة، أليسَ كذلك؟ فَهُمْ، على حَدِّ عِلْمِنا، يفهمونَ إعلانَ الله بينما همْ يطيرون أمامَهُ إلى الأبد. مَنَحَ اللهُ كُلّاً مِنْهُمْ ستّةَ أجنحةٍ حتى تتوافقَ استجابتُهُمْ معَ الإعلان. يُغطّي كلُّ واحدٍ منَ السّيرافيمِ وجهَهُ بجناحين، ورجلَيْهِ بجناحين، ويطيرُ بجناحيْنِ حتى يستمرَّ في هتافِ النّشيدِ المستمرّ "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ". يستجيبُ السّيرافيمُ لإعلانِ اللهِ اِسْتجابةً مُلائِمة؛ فَهُمْ يعبدونَهُ عبادةً حقّةً. 

هذا هوَ الإعلانُ الذي يعاينُهُ إشعياءُ ويختبرُهُ. ولذا فالسّؤالُ المطروحُ هوَ كيفَ يستجيبُ إشعياءُ لهذا الإعلان؟ "فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ» (إشعياء 5:6). هذهِ هيَ العبادةُ كما ترون! عاينَ إشعياءُ رؤيا سماويّة، إذْ رأى اللهَ، والسّيرافيمَ، والعبادةَ المُستمرّةَ التي تحدُثُ طوالَ الوقتِ في السّماءِ بينما نحنُ هُنا على الأرض. ويستجيبُ إشعياءُ استجابةً ملائمةً مُعترِفاً بذنبِهِ، وبعدمِ استحقاقِهِ للمُثولِ في محضرِ الله. كثيراً ما نرتّلُ التّرتيلةَ القائلة، "أريدُ أنْ أراك، يا رب، أريدُ أنْ أراك عالياً مرتفعاً". وفي كُلِّ مرةٍ نرتِّلُها أَسألُ نفسي، "هلْ تعلمُ حقّاً ما الذي تقولُهُ؟" "هلْ تفهَمُ حقّاً ما تطلُبُهُ؟" إذا كُنّا نقولُ، "نريدُ أنْ نراكَ، يا ربّ"، وحدَثَ أنْ رأيْناهُ بالفِعلِ، فلَنْ نَقِفَ أمامَهُ بِوُجوهٍ مُبْتَسِمَةٍ وَبِأَيادٍ مَمْدودة! ولكنَّنا سننبطحُ أمامَهُ بوُجوهٍ ذليلةٍ لأنّنا سنكتشِفُ، أكثَرَ مِنْ أيِّ وقْتٍ آخرَ في حياتِنا، كَمْ أنّنا خُطاةٌ ولا نستحِقُّ سوى الجحيم.

ولذلكَ، في المرّةِ القادمةِ التي نرتّلُ فيها تلكَ التّرتيلة، دعونا نتأمّلُ فيما نطلبُهُ حقاً. عندما رأى إشعياءُ الربَّ "عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ"، سقطَ على وجهِهِ لأنّ هذا هوَ الشّيءُ الوحيدُ الذي يمكنُ أنْ يعملَهُ. عندما نعايِنُ قداسةَ اللهِ ندرِكُ خطايانا، وهذهِ هيَ العبادة.

 

  1. الاِعْتراف

يمثّلُ الاعترافُ جانباً كبيراً منَ العِبادة، أليسَ كذلك؟ يثيرُ انتباهي في قصّةِ إشعياءَ أنّهُ استجابَ استجابةً ملائمةً فاختارَ اللهُ أنْ يكشفَ المزيد. تستمرُّ القصّةُ هكذا، "فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ. وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ» (إشعياء 6:6-7). يَكشفُ اللهُ لإشعياءَ أنّه إلهُ الرّحمةِ، ومانحُ الغفران، وهو مستعِدٌّ لكيْ يغفِر.

استجابَ إشعياءُ استجابةً ملائمةً بالاعترافِ والعبادة، فكشفَ لهُ اللهُ المزيدَ قائلاً، "أنا إلهٌ رحوم". ولمْ يقلْ، "أنتَ رجلٌ طيِّبٌ، يا إشعياء. سوفَ أعقِدُ معكَ صفَقَةً. سوفَ أغفرُ خطاياكَ مقابلَ أنْ تؤدّيَ أعمالي، فأنتَ اكتسَبْتَ الغُفرانَ بنفسِكَ". لا! فاللهُ هوَ إلهُ الرّحمةِ، وهكذا أرسلَ واحداً منَ السّيرافيم، وبيدِهِ جمرةٌ لكيْ تَمَسَّ فمَهُ وقالَ، "انْتُزِعَ إِثْمُكَ". مِنَ المؤكّدِ ضِمنيّاً أنّ إشعياءَ اسْتجابَ استجابةً مُلائمة، رغمَ أنّ الكتابَ لمْ يذكُرْ ذلكَ على وجْهِ التّحديد، ولذلكَ نالَ إشعياءُ عطيّةَ اللهِ المجّانيةَ في الغُفران. عندما تقرأونَ هذهِ القصّةَ ربّما تقولونَ لأنفسِكُمْ، "نعَمْ، ولكِنْ أيُّ شخصٍ آخرَ كانَ سيعملُ هذا". كمْ مِنَ المرّاتِ أخبرتُمْ أحدَ الخطاةِ عَنْ رحمةِ اللهِ ونعمتِهِ المجّانية، فرفضَ قائلاً، "لا، إنّي لا أريدُها؟"

 

  1. "هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي"

استجابَ إشعياءُ بالعبادةِ إذْ سمَحَ لأحدِ السّيرافيمِ أنْ يمسَّ فمَهُ بِجَمْرةٍ. ولأنّهُ اسْتجابَ استجابةً ملائمةً بالعبادة، أخذَ المزيدَ مِنَ الإعلانات: "ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: «مَنْ أُرْسِلُ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟». يكشِفُ اللهُ أنّ لديهِ مشيئةً، وعملاً يجِبُ إتمامُهُ، وإعلاناً يجِبُ نشْرُهُ.

كيفَ كانَ يمكنُ لإشعياءَ أنْ يستجيبَ لهذا الإعلانِ بطريقةٍ أُخرى غيرِ القول، "هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي". لاحظوا أنّهُ لمْ يَقُلْ، "أخبِرْني أوّلاً، يا الله، ماذا تريدُ مِنّي أنْ أفعل"، أو "كمْ سيكلّفُني هذا؟"، أو "هلْ سأضّطرُ لتركِ بيتي؟"، أو "هلْ سأكونُ سعيداً؟"، أو "هلْ سأشعرُ بالرّضا عَنْ نفسي؟" يختصرُ إشعياءُ ردَّهُ قائلاً، "هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي"، وهذهِ هيَ الاسْتجابةُ الملائمةُ الوحيدةُ في العبادةِ تجاهَ الإعلانِ بأنّ اللهَ لديْهِ مشيئة: فاللهُ لديهِ رغبةٌ لحياتِكُمْ وحياتي. ويجبُ أنْ تكونَ هذهِ الاسْتجابةُ هيَ الاسْتجابةُ المعياريّةُ مِنْ جميعِ المُؤْمنين.

أدرِكُ أنَّ هذا المفهومَ قدْ يكونُ مُرْبكاً نوعاً ما مِنْ وُجهةِ نظرِ حديثي الإيمان مِنْكُمْ، ولكِنْ عليكُمْ أنْ تعرفوا أنّ هذا هوَ ما سيأتي؛ فهذا هو ما طلبَهُ اللهُ منّا. السّاجدونَ الحقيقيونَ همْ الذينَ يفهمونَ مشيئةَ الله، ويدركونَ رحمةَ اللهِ وقداستَهُ. عندما نتمعَّنُ في تلكَ الحقائقِ عَنِ الله سوفَ نعبدُهُ، ونعبُدُ حينَ نستجيبُ استجابةً ملائمةً معترفينَ بخطايانا، ونائلينَ عطيّةَ الغفرانِ المجّانيةَ فيقولُ كلٌّ مِنّا، "هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي".

صلاتي لهذهِ الكنيسةِ، ولكُلِّ واحدٍ منكُمْ، أنْ تُصبحَ هذهِ الاسْتجابةُ هيَ الاسْتجابةَ المِعياريّة في عبادتِكُمْ. أصلّي أنّه عندما تعبدونَ، يقولُ كلٌّ منكُمْ بروحِ التّسليم الغامِر، "هَئَنَذَا، مهما كانَ الأمر! أؤمنُ أنّك كُلّيُّ الصّلاحِ وكُلّيُّ الحكمة. أؤمنُ أنّك تريدُ الأفضلَ لي، وأنتَ تعرفُ ما هوَ الأحسنُ لي. إنّي لك، فاستخدمْني.. لا يَسعُني الانتظارُ حتى أنطلقَ لأداءِ عملك." هلْ تعلمونَ ما سيحدثُ لمدينَتِنا إذا فعَلْنا ذلك؟ هل يمكنكُمْ أنْ تتخيّلوا كيفَ سيبدو نشاطُ الكنيسةِ في هذهِ المدينةِ لوِ اسْتجبْنا جميعاً الاستجابةَ الملائمةَ مثلما فعلَ إشعياء؟

 

هـ. لا تَجْعلوا اللهَ يَبْدو ضئيلاً

أعتقدُ أنّ الدعوةَ الواردةَ في إشعياء 6، أيْ دعوةَ اللاهوت، ودعوةَ معرفةِ صفاتِ اللهِ ونشاطِهِ، تتمثّلُ في المقامِ الأوّلِ في ألّا نجعلَ اللهَ يبدو ضئيلاً. لا تُظهِروا الله في صورةٍ إلهٍ محليٍّ ضئيل. لا تظنّوا البتّةَ أنّنا نعرِفُ أكثرَ ممّا يعرفُ الله، أوْ أنّهُ يمكنُنا الاختباءُ منْهُ، لاسيّما في خطيّتِنا. لا تظنّوا أنّهُ لا يملكُ القوّةَ الكافيةَ لمساعدتِنا في مشكلاتِنا الضئيلة. علينا أنْ نضعَ هذهِ الأمورَ في الاعتبار، أليسَ كذلك؟ عندما ننظرُ إلى أُمورِ حياتِنا، وندركُ أنّ اللهَ الذي نصلّي لهُ كُلّيُّ المعرفةِ وكُلّيُّ القدرةِ وكُلّيُّ الوجودِ وما زالَ يحبُّنا، فكيفَ لا يسعُنا الاستجابةَ تجاهَ ذلكَ بالعبادة؟ لماذا نهتمّ؟ ولماذا نَقْلَقُ؟ لماذا نقول، "إنَّ اللهَ يساعدُ مَنْ يساعِدونَ أنفسَهُمْ؟" لماذا نفعلُ ذلك؟ الجوابُ هوَ الخطيّةُ، إذا كنّا نبحثُ عَنِ الجواب!

ليتَ فهمَنا للهِ ينمو بينما ننمو في مسيرتِنا المسيحيّة. ليتَنا نفهمُ أنَّ اللهَ الذي نعبُدُهُ، والذي يحبُّنا، لا يحدُّهُ أيُّ شيء. إنّهُ غيرُ محدودٍ في حكمتِهِ. وهوَ كُلّيُّ المعرفةِ لأنّهُ يعرفُنا أفضلَ ممّا نعرِفُ أنفسَنا، كما أنَّهُ لا يزالُ يحبُّنا. اللهُ غيرُ محدودٍ في وُجودِهِ، فهوَ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ. اللهُ لا تَحدُّهُ أبْعادٌ مكانيّةٌ.

نحنُ جميعاً نوجَدُ فيهِ، أنا وأنتَ ومجتمعُنا ومجرّاتُ الكون. إنّهُ أكبرُ مِنْ ذلك لأنّ كلَّ حقِّهِ يوجدُ فيهِ أيضاً. اللهُ غيرُ محدودٍ في القوّة. إنّهُ إلهُنا الكُلّيُّ القدرةِ والقادرُ على الخَلاص. ليْتَنا لا نَسْكُتُ بَلْ نستجيبُ تجاهَ ذلك. ليَتَ استجاباتِنا تكونُ ملائمةَ دائماً لِما كشفَهُ اللهُ لنا، أيْ أنْ نكونَ مُسرعينَ للاِعْترافِ بقداستِهِ وبخطايانا، ولقبولِ رحمتِهِ ونعمتِهِ. عليْنا أنْ نُسرعَ لعملِ مشيئتِهِ، حتّى لَوْ لمْ نكُنْ نعرِفُ ما هي. نحنُ بحاجةٍ لأنْ نرفعَ أيادينا ونقول، "ها نحنُ يا ربّ، نحنُ أولادُك. أرسِلْنا".

سوفَ نراهُ بوضوحٍ عندما نصلُ إلى السّماء، لا كأنّنا ننظرُ في مرآةٍ ولكِنْ وجهاً لوجهٍ. سوفَ نقضي نحنُ، أولادَ الله، طوالَ الأبديّةِ نامينَ في معرفتِنا ومحبَّتِنا لَهُ، وسوفَ نستمرُّ في عبادتِهِ أكثرَ وأكثرَ في كُلِّ يومٍ إلى الأبدِ وإلى دهرِ الدّاهرين. هذا هوَ إلهُنا. ألا يسعِدُكُمْ أنّكُمْ مِنْ أولادِهِ؟