Loading...

دليل المعتقدات المسيحيَّة - Lesson 7

جماعة المؤمنين المسيحيَّين

لا يمكن للمرء أن يصبح مسيحيَّاً بمُجرَّد الإيمان بيسوع المسيح دون أن يصبح في الوقت نفسه عضواً في شعب الله مع جميع إخوته المؤمنين وأن يشارك في حياة الكنيسة. في الواقع، لم يكن من الممكن أن نعرف يسوع دون شهادة المسيحيّين الآخرين وعملهم في ترجمة الكتاب المُقدَّس وتوزيعه وصلواتهم من أجلنا. لم يأتِ يسوع لخلاص الناس بمعزلٍ عن بعضهم البعض بل لتأسيس مجتمعٍ جديد من الناس يعملون على بنيان بعضهم البعض في الإيمان وكرازة العالم. ينبغي علينا الآن استكشاف معنى الكنيسة ومهامها.

I. Howard Marshall
دليل المعتقدات المسيحيَّة
Lesson 7
Watching Now
جماعة المؤمنين المسيحيَّين

Lessons
Transcript
  • ما دام الله قد أوحى بالفعل بالكتاب المُقدَّس، ربَّما يسأل أحدهم عن سبب دراسة العقيدة المسيحيَّة قائلاً: هل يكفي بالتأكيد أن يدرس المرء الكتاب المُقدَّس دون الانشغال بمسألة العقيدة؟ ربَّما تكون أبسط إجابةٍ عن هذا السؤال هي أن أيّ شخصٍ يدرس الكتاب المُقدَّس إنَّما يدرس العقيدة في الواقع. المناقشة المنهجيَّة للاهوت المسيحيّ سوف تنقل الطالب إلى العديد من مصادر المعرفة ومجالات التفكير. وسوف يكون هدفنا هنا هو الهدف الأكثر تواضعاً المُتمثِّل في محاولة وضع التعليم الكتابيّ الذي يُشكِّل أساس اللاهوت المسيحيّ.

  • تخبرنا العقيدة المسيحيَّة بما يؤمن به المسيحيّون عن الله. ولكن قبل أن نتمكَّن من مناقشة ما نؤمن به عن الله، ينبغي أن نعالج السؤال الأوَّليّ حول كيفيَّة التعرُّف على الله وعلى وجوده وطبيعته وأفعاله. فهذا السؤال له أهميَّةٌ حاسمة لأن الاختلافات بين المواقف اللاهوتيَّة المُتنوِّعة التي يعتنقها المسيحيّون غالباً ما تعتمد على اختلافاتٍ في طريقة التفكير بخصوص كيفيَّة معرفة الله.

  • على الرغم من أننا لا نستطيع معرفة الله بالبحث، فإن الله كشف لنا نفسه بطُرقٍ يمكننا فهمها. بما أننا مخلوقاتٌ مصنوعة على صورة الله (التكوين 26:1)، من الممكن أن يكون لنا بعض الفهم عن الله الذي صنعنا. كشف الله عن نفسه بلغة البشر، وبما أننا ندرك أن لغة البشر وسيلةٌ صادقة لكنها غير كافيةٍ لتوصيل حقيقة الله، يمكننا إحراز بعض التقدُّم في الفهم. لاءم الله نفسه بلطفه لعقولنا الضعيفة والخاطئة من خلال التكلُّم إلينا في إعلانٍ شخصيّ، ولذلك ينبغي أن نتذكَّر أن الشخص نفسه أعظم من الإعلان. علينا أن نتذكَّر أنه أبعد من نطاق فهمنا وأن الكلمات البشريَّة لا يمكنها التعبير عنه كما يحقّ وأنه لا يزال بإمكاننا أن نقول المزيد عنه.

  • القصَّة التي تدور في الكتاب المُقدَّس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا هي قصَّة كيفيَّة خلق الله العالم وسقوط العالم في الخطيَّة وتمرُّده عليه وكيفيَّة بدء الله عمليَّة خلقٍ جديد سوف يستمرّ لحين انتهاء كُلّ أثرٍ للخطيَّة. البشر ذروة خليقة الله وتاجها لأنهم صورة الله على عكس المخلوقات الأخرى (التكوين 26:1-27). وسريعاً ما تبع خلق البشر دخول الشرّ في قلوبهم. فقد خُلِقوا بإمكانيَّة الاختيار بين الصواب والخطأ وبين طاعة الله وعصيانه. لكنهم اتَّخذوا القرار الخاطئ بتحريضٍ من المُجرِّب فدخلت الخطيَّة العالم بجميع عواقبها الرهيبة.

  • الموضوع الرئيسيّ للاهوت المسيحيّ الذي يضفي عليه طابعه المسيحيّ هو مجيء يسوع إلى العالم مُخلِّصاً إيَّاه من الخطيَّة. ومجيئه على حدٍّ سواء إعلانٌ عن طبيعة الله المُقدَّسة المُحبَّة كما أنه فعل المَحبَّة السامية الذي يصالح به الله الخطاة لنفسه.

  • المرحلة التالية في دراسة العقيدة المسيحيَّة تراعي النظر في الحياة الجديدة التي يهبها الله لمن يقبلون يسوع مُخلِّصاً لهم من الخطيَّة. سوف نبدأ بالنظر إلى كلمتين عامَّتين تُستخدَمان لوصف اختبارنا كمسيحيّين، ثم نناقش أربعة جوانب مختلفة للحياة المسيحيَّة، وسوف ننظر أخيراً في طبيعة استجابتنا لهبة الله المُتمثِّلة في الخلاص والحياة الأبديَّة.

  • لا يمكن للمرء أن يصبح مسيحيَّاً بمُجرَّد الإيمان بيسوع المسيح دون أن يصبح في الوقت نفسه عضواً في شعب الله مع جميع إخوته المؤمنين وأن يشارك في حياة الكنيسة. في الواقع، لم يكن من الممكن أن نعرف يسوع دون شهادة المسيحيّين الآخرين وعملهم في ترجمة الكتاب المُقدَّس وتوزيعه وصلواتهم من أجلنا. لم يأتِ يسوع لخلاص الناس بمعزلٍ عن بعضهم البعض بل لتأسيس مجتمعٍ جديد من الناس يعملون على بنيان بعضهم البعض في الإيمان وكرازة العالم. ينبغي علينا الآن استكشاف معنى الكنيسة ومهامها.

  • يهتمّ علم الأخرويَّات بالتدخُّل الأخير لله في التاريخ لإنهاء العالم الحاضر الشرِّير ولبدء العالم الجديد. لكن فعل الله هذا لا يقتصر على المستقبل لأن الله بدأ خليقته الجديدة في مجيء يسوع وتأسيس الكنيسة. جرت العادة على فهم النبوَّات المُتعلِّقة بالأيَّام الأخيرة على أنها كانت تتحقَّق في الأيَّام الأولى للكنيسة. ولذلك، لكي نفهم ما سوف يحدث في المستقبل نحتاج إلى تلخيص قدرٍ من القصَّة الكتابيَّة حتَّى نضع المستقبل بعين الاعتبار.

7

 

الجماعة المسيحيَّة

 

"سيدّي، هل تريد أنْ تخدمَ اللهَ وتذهبَ إلى السماء؟ تذكَّرْ أنه لا يمكنك أنْ تخدمَهُ بمفردك. ولذلك ينبغي أنْ تَجِدَ رفاقاً أو تصنعَهم؛ فالكتابُ المُقدَّسُ لا يعترفُ بديانةٍ انفراديَّة".

 

تُؤكِّد هذه الكلماتُ الشهيرةُ التي كتبَها صديقٌ مجهولٌ لِجونْ ويسلي على حقيقةٍ جوهريّةٍ وهي أننا لا نستطيعُ أنْ نكونَ مسيحيّين بمفردنا إلَّا إذا كنَّا رُبَّما في جزيرةٍ صحراويَّةٍ مثلاً دون أنْ يوجدَ من يساعدنا. ومع ذلك، لا يتعلَّقُ الأمرُ على نحوٍ رئيسيٍّ بمسألةِ صُنْعِ رفاقٍ كما لو كانتِ الجماعةُ المسيحيَّةُ شيئاً نخلقُهُ، ولكنّ الفكرة هي أنّ الإنسانَ لا يمكنُ أنْ يُصبحَ مسيحيَّاً بالإيمان بيسوع المسيح دون أنْ يصبحَ في الوقت نفسه عضواً في شعبِ الله إلى جانبِ جميعِ إخوتِنا المؤمنين مشاركاً في حياة الكنيسة (1 كورنثوس 26:1). في الواقع، لم يكن بإمكاننا معرفةُ يسوعَ دون شهادةِ المسيحيّين الآخرين، وعملِهم في ترجمةِ الكتابِ المُقدَّس وتوزيعِه، وصلواتِهم من أجلنا. لم يأتِ يسوعُ لخلاصِ الأفراد بمعزلٍ عن بعضهم البعض بل لتأسيسِ جماعةٍ جديدةٍ من الناس يبني فيها الواحدُ الآخرَ في الإيمان كارزين للعالم. ينبغي علينا الآن استكشافُ ما تعنيه الكنيسةُ، وما هي وظائفُها.

 

طبيعة الكنيسة (متَّى 13:16-28)

 

إذا كان يوجد تعبيرٌ استخدمه يسوعُ أكثرَ من أيّ تعبيرٍ آخرَ في تعليمه، فهو "ملكوت (أو مُلك) الله" (مرقس 14:1-15). كان يَقصدُ بهذا التعبير عملَ اللهِ السياديَّ والمخلِّصَ الذي أعلنَهُ في خدمته، والمجالَ الذي تتوفرُ فيه بركاتُ الله، الآن وفي العالم الآتي. من الواضح أنّ هذا التعبيرَ تعبيرٌ مشتركٌ، إذ يُبيِّن أنّ هدفَ الله كان تأسيسَ شعبٍ يمكنه الاقترابُ إلى الله كملكٍ من خلالِ يسوعَ المسيح. وهذا الشعب هو الكنيسة.

 

ليس مصطلحُ "الكنيسة" بالطبع مرادفاً لملكوت الله. يشير المصطلحُ الثاني، ملكوتُ الله، في المقام الأوَّل إلى عمل الله، أي مُلكِه، بينما يشير المصطلحُ الأوَّلُ، أي الكنيسةُ، إلى مجموعةٍ من الناس. وممَّا يزيد من تعقيدِ مشكلةِ المصطلحاتِ حقيقةُ استخدامِ كلمةِ "الكنيسة" في مجموعةٍ متنوعةٍ من المعاني. فهي تعني من الناحيةِ الواقعيَّة شعبَ الله، ولكنها غالباً ما تشير في الاستخدامِ المعاصرِ إلى مُنظَّمةٍ إنسانيَّةٍ أو إلى مبنىً، ومن المستحيل أنْ نعكسَ اتّجاهَ هذا التطوُّر في استخدامِ الكلمة. ومع ذلك، نكتسب بعضَ الوضوحِ من خلالِ التمييزِ بين الكنيسة "المنظورة" التي تتكوَّنُ من جميع الأشخاص الذين يظهرون أنّهم أعضاءٌ فيها، وبين الكنيسة "غير المنظورة" التي تتكوَّن مِنْ جميعِ الناس الذين يؤمنون حقَّاً بيسوع المسيح (راجع 1 يوحنَّا 19:2). أمَّا أعضاءُ الكنيسة "غير المنظورة" فَهُمُ الذين قَبِلوا مُلكَ الله، ودخلوا في بركاتِ حُكمِه. كما أنّ الكنيسةَ، في الوقت نفسه، هي الوسيلةُ التي يبسطُ بها اللهُ حُكمَه.

 

كان تأسيسُ الكنيسةِ ذروةَ خطَّةِ الله للبشر. يروي العهدُ القديمُ قصَّةَ اختيارِ اللهِ أمَّةَ إسرائيل حتَّى تكونَ شعبَه، ويكونَ إلهَهُم (1 صموئيل 12:12). وللأسف تروي القصَّةُ مراراً رفضَ بني إسرائيل قبولَ الله مَلكاً (1 صموئيل 7:8). عندما أتى يسوعُ، قدَّم نداءَ الله الأخيرَ إلى إسرائيل، ولكنّ معظمَ الناس رفضوه. ولذلك اتّجهَ إلى مجموعتِهِ الصغيرةِ المُكوَّنةِ من التلاميذ الاثني عشر، وأعلن أنّ بركاتِ مُلكِ الله هي لهم، وليست لبني إسرائيلَ العصاة. كان التلاميذُ بمثابةِ نواةٍ لإسرائيلَ جديدةٍ، أي كنيسةِ الله (متَّى 43:21؛ 18:16؛ لوقا 32:12). وهكذا يمكن فهمُ الكنيسةِ على أنها إسرائيلُ الجديدة، المُكوَّنة ُممّنْ يقبلونَ يسوعَ باعتبارِهِ المسيَّا، ويتطلَّب الانضمامُ إليها أنْ يصبحَ المرءُ تلميذاً ليسوع، ويعترِّفَ به ربَّاً.

 

وبالتالي، يمكننا الحديثُ عن الكنيسةِ على أنها كانت موجودةً في العهد القديم (أعمال الرُسُل 38:7)، متكوِّنةً من الشعب اليهوديّ. كانت تتضمَّنُ في هذه المرحلة بالفعل أولئك الذين كانوا شعبَ الله بحقٍّ، إلى جانبِ الذين كانوا شعبَ الله ظاهرياً واسمياً فقط. بدأتِ الكنيسةُ من جديدٍ بشركةِ تلاميذِ يسوع. ولكنّنا نرى بدايتَها الحقيقيَّةَ في يومِ الخمسين. فملكوتُ اللهِ لمْ يُستعلَنْ بقوَّةٍ إلَّا في ذلك اليومِ بنصرةِ يسوعَ على الصليب،ِ وعطيَّةِ الروحِ القُدُسِ للتلاميذ. ومن الناحية الواقعيَّة، يجبُ أنْ نحصرَ اسمَ "الكنيسة" في شعبِ اللهِ الجديدِ الذي ظهرَ في يومِ الخمسين،.

 

ولكن سيتّضحُ فعلاً أنّ كنيسةَ العهدِ الجديدِ متواصلةٌ مع شعبِ الله في العهد القديم. فاليهودُ لا يُستبعَدونَ من شعبِ اللهِ الجديدِ بشرطِ أنْ يؤمنوا بأنّ يسوعَ هو المسيَّا. ولكنّ الكنيسةَ حلّتْ محلَّ جنسِ اليهود باعتبارِهِ إسرائيلَ الله. يمكن ملاحظةُ ذلك من استخدامِ كلماتٍ لوصفِ الكنيسةِ بطريقةٍ لها خلفيَّةٌ في أوصافِ العهدِ القديم لشعب الله في كثيرٍ من الأحيان. تردُ كلمةُ الكنيسةِ نفسُها (باليونانيَّة: ekklēsia) في النسخةِ اليونانيَّةِ من العهدِ القديم بمعنى اجتماعِ شعبِ الله. المسيحيّون هم شعبُ الله، والشيء المُهمّ هو أنّ هذا الشعبَ يضمُّ كُلّاً من اليهود والأمم الذين يؤمنون بالمسيح (أعمال الرُسُل 14:15؛ رومية 24:9-26؛ 2 كورنثوس 16:6؛ تيطس 14:2؛ 1 بطرس 9:2-10). وهم يُدْعَونَ إسرائيلَ الله (غلاطية 16:6؛ أفسس 12:2، 19). ويُدْعَونَ رعيّةَ الله، وهو راعيهم (لوقا 32:12؛ يوحنَّا 1:10-16، 26-29؛ أعمال الرُسُل 28:20؛ 1 بطرس 3:5). وهم عروسُ المسيح، مثلما كانت إسرائيلُ القديمةُ عروسَ يهوه (2 كورنثوس 2:11؛ أفسس 22:5-24).

 

يمكن القولُ أيضاً إنَ الكنيسةَ تتولَّى مهامَّ الهيكلِ في العهد القديم. كان الهيكلُ مسكنَ إقامة الله (رغم أنّ وجود الله لم يكن بالطبع محدوداً به، 2 أخبار 2:6، 18-21). وكما أنّ المسيحيّين الأفرادَ هم الآن هياكلُ للروحِ القُدُس (1 كورنثوس 19:6)، هكذا فالكنيسةُ الجامعةُ هي هيكلُ الله أو مسكَنُهُ (1 كورنثوس 16:3-17؛ أفسس 19:2-22). ينطبق الشيءُ نفسُه عندما يقال إنّ الكنيسة بناءٌ يبنيهِ الله (1 كورنثوس 9:3؛ أفسس 19:2-20، 1 بطرس 5:2) أو بيتُ الله (غلاطية 10:6).

 

ومع ذلك، يتجاوزُ العهدُ الجديدُ إعلانَ العهدِ القديم عندما يصِفُ الكنيسةَ بأنها جسدُ المسيح (رومية 4:12-5؛ 1 كورنثوس 12:12-14؛ أفسس 22:1-23؛ 4:4، 12، 15-16؛ 23:5). يشير هذا التعبيرُ الذي يُحبّه بولس مَحبَّةً خاصَّة إلى أنّ الكنيسةَ تتكوَّن من أعضاءَ مُتنوِّعين اتَّحدوا معاً، والمسيحُ رأسُهم بأقربِ طريقةٍ ممكنة، كما في الأعضاءِ المتنوّعةِ لجسمِ الإنسان. تخترقُ قوَّةُ المسيحِ الجميعَ (مثلما تمرّ العُصارة عبرَ أغصانِ الكرمة، يوحنَّا 5:15)، ويساعد الأعضاءُ المختلفون، أحدُهم الآخر، على أداءِ أدوارهِ في وحدةٍ روحيَّةٍ حقيقيَّة. وبهذا المعنى، يمكن وصفُ الكنيسة بأنّ لها اتّحاداً عضويَّاً، ولكن يجبُ ملاحظةُ أنّ أجزاءَ الجسمِ في الاستعارةِ تشيرُ إلى أفرادِ الكنيسة، ولا تشيرُ إلى المجموعاتِ المحليَّةِ المختلفةِ للمسيحيّين، أو حتَّى إلى طوائفَ بأكملِها.

 

حياة الكنيسة (أعمال الرُسُل 19:11-30)

 

إذا قَبِلنا أدلَّةَ سفرِ أعمالِ الرُسُل، نرى أنّ أكثرَ وظيفةٍ مُميَّزةٍ للكنيسة هي الشهادةُ والإرساليَّة. فمثلما أرسلَ الآبُ يسوعَ لخلاص البشر، هكذا أرسلَ يسوعُ الكنيسة، ولا يزال يرسلُها، لتقديمِ أخبارِ الخلاصِ السارَّةِ إلى العالم (يوحنَّا 18:17، 20). ترتبط كلمةُ "الرسول" بفعل "الإرسال" وتُستخدَمُ للإشارة إلى المُرسَلين لمواصلةِ عملِ يسوع وتوسيعِه (لوقا 1:9-2). يَعتبِرُ سفرُ أعمال الرُسُل أنّ الاثنَيْ عشر تلميذاً مُؤهَّلون تأهيلاً خاصَّاً ليبشِّروا شخصيّاً بقيامة يسوع (أعمال الرُسُل 21:1-22)، لكنّ مُهمَّةَ الشاهد ليست حصراً عليهم بأيّ حالٍ من الأحوال. فحتَّى الأشخاصُ المُعيَّنون في المقام الأوَّل للاهتمام بالترتيباتِ المحليَّة في الكنيسة يُعتبرون واعظين ومُبشِّرين (أعمال الرُسُل 6). تُؤكِّد بنيةُ سفرِ أعمال الرُسُل نفسُها أنّ الكنيسةَ هي في الأساس مجموعةٌ من الأشخاص لديهم إرساليَّةٌ. بدأتِ الإرساليَّةُ في أورشليم وانتقلت إلى اليهوديَّة والسامرة، ثُمّ انتشرت إلى أقاصي الأرض. كانت عطيَّةُ الروحِ للكنيسة هي تزويدُها بالقوَّة والبلاغة الإلهيَّة للكرازة، وتوجيهُ أعضائها لمكانِ وكيفيَّةِ نشر الشهادة (رومية 18:15-19؛ 1 تسالونيكي 5:1؛ 1 كورنثوس 4:2؛ 2 كورنثوس 6:6). وما تُقدِّمُهُ الكنيسةُ إلى الله هي الكرازةُ بالإنجيل للأمم (رومية 16:15). فالكنيسةُ مدعوَّةٌ لأداءِ مُهمَّةِ خادمِ يهوه (أعمال الرُسُل 47:13؛ راجع إشعياء 6:49). قد ينطوي ذلك على قدرٍ كبيرٍ من التضحية والمعاناة (كولوسي 24:1-26؛ 2 كورنثوس 23:11-28؛ 10:12) بينما تواجهُ الكنيسةُ مقاومةً شيطانيَّة (2 كورنثوس 12:11-15؛ 1 تسالونيكي 18:2؛ 1 بطرس 8:5؛ الرؤيا 17:12)، ولكنَّ هذا هو التمهيدُ اللازمُ لمجيءِ المسيح في المجد ليحكمَ (مرقس 10:13). ومع ذلك، فهي مُهِمّةٌ مضمونةُ النجاحِ (متَّى 18:16)، لأنّ اللهَ سوف يجمعُ بقوَّته مِنْ كُلِّ أمَّةٍ شعباً يخافُهُ (رومية 25:11-36؛ الرؤيا 9:5).

 

ومن نتائج الكرازةِ تجمُّعُ شعبِ الله الجديدِ في الكنيسة. فقد خصَّصَ المسيحيّون الأوائل أنفسَهم لتعليم الرُسُل وشركتهم، ولكسرِ الخبز والصلوات وفقاً للمُلخَّصِ الموجزِ لحياة الكنيسة الأولى في سفر أعمال الرُسُل 42:2. يوجد قدرٌ من الخلافِ حول ما إذا كانت هذه العناصرُ الأربعةُ تُمثِّلُ أربعةَ أنشطةٍ مختلفةٍ تُجريها الكنيسة في أوقاتٍ مختلفةٍ أم تُشكِّلُ الأجزاءَ الأربعةَ لاجتماعِ الكنيسةِ الأولى. على أيّ حالٍ، لدينا هنا أربعةُ جوانبَ أساسيَّةٌ من حياةِ الكنيسة. الجانبُ الأوَّلُ هو تعليمُ الرُسُل. من الواضح أنه يختلفُ عن الكرازةِ الإنجيليَّة، فهو تعليمُ أعضاءِ الكنيسة في إيمانهم، وما يصاحبُ ذلك من نتائجَ عمليَّة. عندما يُقالُ إنّ الكنيسةَ مبنيَّةٌ على أساسِ الرُسُلِ والأنبياء (أفسس 20:2)، فالمقصودُ أنّ أساسَها هو التعليمُ الرسوليّ، الذي كان في الأصل شفهيَّاً ثُمَّ التزمَ في وقتٍ لاحقٍ بالتعبيرِ المكتوبِ في الكتاب المُقدَّس. ومن خلال هذا التعليمِ توجدُ الكنيسة. فكلماتُ يسوع هي غذاؤها (يوحنَّا 63:6) والتعليمُ الرسوليُّ هو استمرارٌ لتعليم يسوع الموحى به من الروح القدس، وهو مبنيٌّ عليه. وبالتالي، نجد في الأسفارِ الأخيرةِ من العهد الجديد تشجيعاً للمسيحيّين على التمسُّكِ بالتعليم الرسوليّ (1 تيموثاوس 6:4؛ 2 تيموثاوس 13:1-14؛ 14:3-17). ومع ذلك، ينبغي على الكنيسة أنْ تطلبَ إرشادَ الروحِ كي تتمكَّنَ من توضيحِ كلمةِ اللهِ توضيحاً مناسباً له معنىً لكُلِّ موقفٍ جديد، فالحقيقة هي أنّ كلمةَ الله أُعطِيَتْ للكنيسةِ في التعليمِ الرسوليّ، وهو الإيمانُ "الْمُسَلَّم مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يهوذا 3).

 

الجانب الثاني هو الشركة (1 يوحنَّا 1:1-7). وهذه الكلمة تعني مشاركةَ عدَّةِ أشخاصٍ في مُلكيَّةٍ مشتركةٍ، وتُعبِّرُ عن الفكرةِ الأساسيَّةِ في حياةِ المسيحيّين المشتركة. فالكنيسةُ مجموعةٌ من الناس الذين لديهم ربٌّ واحدٌ، ويتشاركون معاً في عطيَّةِ الخلاصِ الواحدةِ في يسوع المسيح (تيطس 4:1؛ يهوذا 3). وقد يختلف أعضاءُ الكنيسة في السنّ والجنس والعِرق واللون والثروة والمكانة الاجتماعيَّة والقدرة، ومع ذلك فهم متّحدون معاً كشعبٍ واحد (غلاطية 28:3؛ 1 كورنثوس 13:12؛ كولوسي 11:3). وهم يتشاركون في روحٍ واحد (أفسس 3:4-4؛ فيلبّي 1:2)، وينبغي عليهم التدرُّبُ على السخاءِ المتبادل فيما يتعلَّقُ بممتلكاتِهم الماديَّة (أعمال الرُسُل 44:2؛ 32:4؛ غلاطية ٦:٦). وبوصفِهِم تلاميذَ المسيح، فإنهم مدعوّون للمشاركةِ معه في التألُّمِ من أجلِ الإنجيل (فيلبّي ١٠:3؛ الرؤيا 9:1)، ولهم وعدٌ بنصيبٍ في مجدِهِ وحُكمِهِ الملكيّ (2 تيموثاوس 12:2). وبهذه الطريقةِ يجتمعُ اللهُ والمسيحُ وجميعُ المسيحيّين في اتّحادٍ حميمٍ بالروح (1 كورنثوس 9:1؛ 2 كورنثوس 14:13؛ 1 يوحنَّا 3:1-7).

 

عقيدةُ الشركة لها نتيجتان مُهمّتان. فالذين يشاركون في شركة الكنيسة ينبغي أنْ يُحبّوا بعضُهم بعضاً. رأينا في وقتٍ سابقٍ أنه من صفاتِ مَحبَّةِ الله أنها ليست بدافعِ الكسبِ الأنانيّ، ولكن الله يُحبّ أنْ يعطيَ بحريَّةٍ دون أيِّ تحيُّزٍ. يجب أنْ يُحبَّ المسيحيّون أحدُهم الآخرَ بذلك الروح لأنّ المسيحَ يُحبُّهم هكذا (1 يوحنَّا 7:4، 11؛ أفسس 2:5). المَحبَّةُ المسيحيَّةُ هي أعظمُ شيءٍ في العالم (1 كورنثوس 13). ولذلك فإنّ جوهرَ الأخلاقِ المسيحيَّةِ هو الوصيَّةُ بأنْ يُحبَّ الناسُ بعضُهم بعضاً. وهيَ تتلخَّصُ في القاعدةِ الذهبيَّة: "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ" (متَّى 12:7). لا تقتصرُ مثلُ هذه المَحبَّة بالطبع على أعضاءِ الشركةِ المسيحيَّة، ولكنَّها تمتدُّ إلى جميعِ الناس (لوقا 25:10-37؛ غلاطية 10:6)، كما تعبّرُ عن نفسها في الاهتمام الماديّ والسخاء (يعقوب 15:2-16؛ 1 يوحنَّا 17:3-18). فهذه المَحبَّةُ تكسِرُ حواجزَ العِرقِ والجنس والطبقات. والمقصود هو أنَّ مثل هذه المَحبَّة لا تُقيِّدها اختلافاتُ تلك الحواجز، بل المحبّةُ تغيّرُ ما قد يرتبط بتلك الحواجزِ من أهميةٍ تغييراً حاسماً، مع أنها لا تزيلُها بالضرورة. تتعاملُ المَحبَّةُ المسيحيَّةُ مع الناسِ من مختلفِ الألوانِ بقدرٍ متساوٍ من النعمة: فهي لا تبالي بلونِ بشرةِ المرء، ولكنها تعجزُ في الواقعِ عن تغييرِ اللونِ الماديِّ للبشرة مثلما تعجزُ عن تغيير ذكرٍ إلى أنثى. وبالطريقة نفسها، تستطيعُ هذه المحبةُ أنْ تغيّرَ علاقةَ الخادم بسيِّده فيصبحُ من الواضح فيها خطأُ معاملةِ شخصٍ لآخرَ كعبدٍ، ولكنّ هذه المحبةَ لا تُؤدِّي إلى مجتمعٍ يخلو من أشخاصٍ يلقون الأوامر على غيرهم من الناس.

 

النتيجةُ الثانيةُ للشركةِ هي ضرورةُ وحدةِ الكنيسة. لا يعترفُ العهدُ الجديدُ سوى بكنيسةٍ واحدة فقط بما أنّ المسيحَ لا يمكن تقسيمُه بين مجموعاتٍ متنافسةٍ متنازعةٍ من المسيحيّين (1 كورنثوس 10:1، 13). وبالتالي، يجب على جميعِ أعضاءِ كنيسةٍ محليَّةٍ معيّنةٍ أنْ يكونوا متوافقين في ولائهم للمسيح. ومع ذلك، يعترف كُتَّابُ العهدِ الجديدِ بأنّ الذين ينتمون ظاهريَّاً للكنيسة لا يتحلّون جميعُهم بولاءٍ حقيقيٍّ ليسوع، وتتَّضحُ هذه الحقيقةُ بشكلٍ خاصّ عندما يتوقَّف الناسُ عن المجيءِ إلى الكنيسة أو عندما يتركونها علانيةً (1 يوحنَّا 19:2). قد توجد اختلافاتٌ في العقيدةِ بين الأعضاء، وبالتالي قد توجد حاجةٌ للانقسامات بحيث يمكن أنْ يظهرَ مَنْ همْ على صوابٍ (1 كورنثوس 19:11). لكنّ هذا الوضعَ ليس مثاليّاً، ويجب على المسيحيّين أنْ يسعوا للاتّفاق في الحقِّ وفي إيمانهم المشترك بيسوع.

 

وبالطريقة نفسها، بما أنه لا توجد سوى كنيسةٌ واحدة (أفسس 4:4) تتمثَّلُ في مجموعاتٍ محليَّةٍ من المؤمنين، يمكن تسميةُ كُلِّ مجموعةٍ منها باسم كنيسةٍ، يترتَّبُ على هذا أنَّ مثلَ هذه الكنائسَ المحليَّة يجب أنْ تتوافقَ في وحدةِ الاعتقادِ والمَحبَّة. يجب أنْ تخضعَ انقساماتُ الكنيسةِ للتقسيمِ الجغرافيّ، بدلاً من أنْ تستندَ إلى اختلافاتٍ في العقيدة أو الممارسة. فمفهومُنا الحديثُ عن الطوائفِ غريبٌ تماماً عن روحِ العهدِ الجديد. فمن وُجهةِ نظرِ يوحنَّا، الكنيسةُ هي من يكتبُ لهم، أمّا الذين خرجوا منها لبدءِ مجموعتِهم المتنافسة (1 يوحنَّا 19:2) فليسوا كنيسةً حقَّاً لأنهم لا يؤمنون بيسوعَ بالفعل، ولا يُحبّون إخوتَهم المسيحيّين (راجع 1 يوحنَّا 23:3). قد نرغب في الوضع المعاصر في إنكارِ أنّ بعضَ الجماعات التي تدَّعي أنها كنائسُ مسيحيَّة يمكن اعتبارُها في الحقيقة كنائسَ، لأنّ معتقداتِها كاذبةٌ إذا كانت تنكرُ مثلاً لاهوتَ يسوعَ وعقيدةَ الخلاصِ بالنعمة وحدِها من خلال الإيمان وحدِهِ. ولكن يجب ألَّا نحرمَ المجموعات التي تختلفُ عنَّا في بعض القضايا الجانبيَّة، مثلِ طريقةِ إدارةِ الكنيسةِ، من تسميتها بـ "كنائس". عندما لا يمكن تسويةُ مثلِ هذه الأمورِ بوضوحٍ من خلال أدلَّة الكتاب المُقدَّس، ينبغي علينا احترامُ آراء المسيحيّين الآخرين. يترتَّب على هذا أنَّ جميعَ الكنائسِ المسيحيَّةِ يجب أنْ تسعى للوحدة في العقيدةِ والمَحبَّةِ المتبادلة مع احترامِ حقوقِ كُلِّ جماعةٍ معيّنةٍ في خدمة الله وتنظيم نفسِها وفقاً لفهمِها للكتاب المُقدَّس. فمن الخطأ الواضح اقتراحُ إيجادِ توحيدٍ سلوكيّ لخدماتِ الكنيسة أو طُرقِ إدارة الكنيسة. من المستحيلِ تحقيقُ فكرةِ وجودِ طائفةٍ واحدة أسمى تشمل جميعَ الطوائف الموجودة، ولكنه من الضروريِّ والأساسيِّ أنْ تتحلّى جميعُ الكنائس المسيحيَّة بمثاليّةٍ هي محبّةُ إحداها الأخرى، ومحاولةُ التوصُّلِ إلى فهمٍ مشتركٍ للحقّ. 

 

الجانبُ الثالثُ من حياةِ الكنيسةِ في أعمال الرُسُل 42:2 هو كسرُ الخبز، الذي نناقشُهُ أدناه. والعنصر الرابع هو الصلاة. للصلاةِ جوانبُ مُتنوِّعة. نجد في العهد الجديد أنّ الكنيسةَ وأعضاءَها يُقدِّمون الشكرَ لله على كُلِّ ما فعله لهم (أعمال الرُسُل 47:2)، ويطلبون القوَّةَ والإرشاد (أعمال الرُسُل 23:4-31؛ 1:13-3)، ويعترفون بالخطيَّةِ ويسألون الغفران (أعمال الرُسُل 24:8؛ لوقا 13:18-14). عاشتِ الكنيسةُ بوعدِ يسوع بأنه إذا طلبتْ أيَّ شيءٍ باسمِه فسوفَ يفعلُهُ الله (يوحنّا 23:16-24). يمكن تقديمُ مثلِ هذه الصلاة إلى الله بترانيمَ وأغانيّ روحيّةٍ (كولوسي 16:3).

 

نميل لتجميعِ هذه الأنشطةِ الأخيرةِ المذكورةِ أعلاه تحت عنوان العبادة؛ فهي تُشكِّلُ خدمةَ الله. اضطلعَتِ الكنيسةُ بوظيفةِ إسرائيل باعتبارِها مملكةَ كهنةٍ (الخروج 6:19)، فمُهِمَّتُها تقديمُ ذبائحَ روحيَّةٍ لله (1 بطرس 5:2، 9). وهذا بالطبع لا يعني أنَّ الكنيسةَ تُقدِّمُ ذبيحةَ خطيَّةٍ لله؛ فهذه قدَّمَها المسيحُ مرَّةً واحدةً وإلى الأبد ولا يمكن تكرارُها (العبرانيّين 24:9-28). تتوافق عبادةُ العهد الجديد بالأحرى مع تقدماتِ الشكرِ وتقدمات الشركة التي كانت في طقس العهد القديم.

 

مالَ بعضُهم للأسفِ لفهمِ العبادة على أنّها ما تُقدِّمُهُ الكنيسةُ إلى الله من صلواتٍ وغيرِها من الأفعال المماثلة، ومن ثَمَّ اعتبروا أنَّ الهدفَ الرئيسيَّ من "خدمات" الكنيسة هو تقديمُ عبادةٍ من هذا النوع إلى الله، وآلَ ذلك إلى إضعافِ حياة الكنيسة. أوَّلاً، يجب التأكيدُ على أنَّ مصطلح "العبادة" بالذات نادرٌ بشكلٍ ملحوظٍ في العهد الجديد، ولذلك قلّما نسمع عن اجتماعاتِ كنيسةٍ لمجرّد تقديم العبادة لله. من المُؤكَّد أنَّ العبادةَ جزءٌ من خدمةِ الكنيسة لله (العبرانيّين 15:13؛ راجع الرؤيا 11:5-14؛ 9:7-12)، ولكنها ليستْ مُجمَلَ الخدمة.

 

ثانياً، ينبغي التأكيدُ على أنَّ المُهمَّةَ الرئيسيَّةَ للكنيسةِ لا تتمثَّلُ في عبادةِ الله بل في خدمة الله، وهذا ما تعمله من خلال أداء أنشطةِ الشهادة، وبُنيانِ المؤمنين في إيمانهم. كان بولس يعبدُ اللهَ في إنجيل ابنه (رومية 9:1) عن طريق الكرازة بالإنجيل. ويخدم المؤمنون اللهَ بوضعِ حياتهم رهنَ الطلب لأيّ شيءٍ قد يدعوهم لعمله (رومية 1:12). فأداءُ أعمالِ المَحبَّة هو نوعُ الذبائحِ التي تُسِرُّ الله (العبرانيّين 16:13). باختصارٍ، الكنيسةُ مدعوَّةٌ لخدمة الله. والعبادةُ بالمعنى الدقيقِ جزءٌ من تلك الخدمة، ولكنها ليست بأيّ حالٍ من الأحوال مُجمَلَ الخدمة.

 

ثالثاً، يترتَّبُ على ذلك أنه إذا فكَّرنا في اجتماعٍ للكنيسة على أنه أساساً وسيلةٌ لعبادة الله بالمعنى الضيِّق، فنحن نحصرُ وظيفتَهُ المقصودةَ بشكلٍ خطيرٍ، ونُضفي عليه شكلاً خاطئاً، لأننا لا نذهبُ إلى الكنيسة في المقام الأوَّل لخدمةِ الله من خلال تقديمِ العبادة له بلْ للسماحِ له بخدمتنا من خلالِ تقديمِ كلمتِهِ لنا. لم يأتِ ابنُ الإنسانِ ليُخدَمَ بل ليَخدِمَ (مرقس 45:10). عندما تُصِرُّ الكنيسة على خدمةِ ابن الإنسان بدلاً من أنْ تتلقَّى منه الخدمة، تكون أولويَّاتُها خاطئة. تشمل أغراضُ اجتماعاتِ المسيحيّين تعليمَ الرُسُل والشركةَ وكسرَ الخبزِ والصلاة.

 

وسائط النعمة (أعمال الرُسُل 37:2-47)

 

تأتينا كلمةُ الله وعطاياه بطُرقٍ مُتنوِّعةٍ أصبحتْ تُعرَفُ باسم "وسائط النعمة". سوف ننظرُ في هذا القسم في طبيعةِ هذه العطايا، وفي القسم التالي سوف نناقشُ طريقةَ انتقالِها إلينا بوسائلَ بشريَّة.

 

بصفتنا أفراداً وشركاءَ مع إخوتنا المسيحيّين، ننال الخلاصَ عن طريقِ سماعِ كلمة الله (2 تيموثاوس 14:3-17) وبمشاركةِ عملِ الروحِ القُدُسِ في جعلِ قلوبِنا مُتقبِّلةً لها (1 تسالونيكي 5:1-6). توجد طريقتان رئيسيّتان يحدثُ بهما هذا: من خلال الكرازة بالإنجيل ومن خلال الفرائض.

 

قيل إنَّ اللهَ لم يكنْ له سوى ابنٍ واحد وجعلَهُ كارزاً. وكان عملُ يسوعَ في الكرازة في الكنيسة الأولى يُعتبَر أحدَ أنشطتها الرئيسيَّة. فمنذ يوم الخمسين كرزَ الرُسُلُ ومعاونوهم لغير المؤمنين، وعلَّموا المؤمنين. لم يكن محتوى كرازتِهم مُجرَّدَ كلماتٍ بشريَّةٍ لأنه من خلالها انتقلتْ كلمةُ الله إلى السامعين (1 تسالونيكي 13:2). فقد تحلّتْ كلماتُهم بقدرةٍ على التحويل والخلاص لأنَّ الروحَ القُدُس كان نشطاً في الإعلان. لم يعتمدْ أولئك الكارزون في توصيلِ رسالتهم على البلاغة، ولا على وسائلِ إقناعٍ مخادعة (1 كورنثوس 1:2-5؛ 2 كورنثوس 17:2؛ 1 تسالونيكي 5:2)، ولكنهم آمنوا بقوَّة الله (2 كورنثوس 13:2-16) وساعدَتْهم صلواتُ إخوتِهم المسيحيّين (أفسس 18:6-20). وكانت نتيجةُ هذه الكرازةِ إيمانَ السامعين (1 كورنثوس 4:2-5) وكانت أشبهَ بالحليبِ الروحيِّ لتنميةِ المؤمنين المسيحيّين (1 بطرس 2:2). ومع أنّ العهدَ الجديدَ يشيرُ عادةً إلى هذا النشاطِ باعتباره الإعلان، فإنه لم يكنْ يقتصرُ بالطبع على "العظات" والكلمة المنطوقة بل كان يشتمل على المحادثةِ الشخصيَّة، واستخدامِ الرسائل، وغيرِها من الأصناف الأدبيَّة. ينسجمُ الاستخدامُ الحديثُ للوسائل البصريَّة المساعدة وغيرِها من الوسائل لتوضيحِ الرسالة وتسهيلِها انسجاماً تامَّاً مع روح العهد الجديد.

 

إلى جانبِ الكرازةِ بالكلمة، لدينا فرائضُ الكلمة، أي الوسائلُ المنظورةُ لإعلانِ نعمة الله. لا تردُ كلمة "الفريضة" في العهد الجديد لكنها دخلتْ حيِّزَ الاستخدام مُبكِّراً لوصف العلامات أو الأفعال الدراميَّة التي هي وسائطُ النعمة للمؤمنين. تعترفُ الكنائسُ البروتستانتيَّة باثنتين من هذه العلامات: المعموديَّةُ والعشاءُ الرَّبانيّ. يمكن إيجادُ مُبرِّرِ ربطهِما معاً في 1 كورنثوس 1:10-14، حيث يشير بولس إلى إشاراتٍ لهما في العهد القديم؛ وأيضاً في حقيقةِ أنّ كليهما يستندان إلى مثال يسوع ووصيَّتِهِ، فقد خصَّصهما ليُطاعا في الكنيسة في العالم بأسره (متَّى 19:28؛ 1 كورنثوس 23:11-27). وقد التزم بهما المؤمنون المسيحيّون منذ يوم الخمسين (أعمال الرُسُل 41:2-42).

 

الفرائضُ إشاراتٌ خارجيَّةٌ يُوصِّلُ الله من خلالها مَحبَّته لنا، ونتعهَّد بأنْ نكون شعبَه. إنها عروضٌ للإنجيلِ منظورةٌ ومسموعة. فمثلما نقبل نعمةَ الله من خلال الكرازة بالكلمة، فإننا نقبل نعمتهُ أيضاً من خلال فرائضِ الكلمة. ولكن ربَّما يجب أنْ نكون أدقّ. فمن الأمور التي تُسبِّب الارتباكَ الاعتقادُ بأنّ "النعمةَ" نوعٌ من "المادة" التي يعطينا الله إيَّاها كما لو كان يعطينا جزءاً من "النعمة" مع الخبز والخمر في العشاء الرَّبانيّ. ولكنّ النعمةَ ليست هكذا؛ فالحديثُ عن "النعمة" هو الإشارةُ إلى العمل الكريم من الله. وبالتالي، يجب فهمُ الفرائضِ على أنها طرقٌ يُخبِرنا بها الله عن تصرُّفِه المُنعمِ تجاهنا، بتطهيرنا من خطايانا، وإعطائنا القوت الروحيّ. ومع ذلك، يتردَّد بعضُ البروتستانت في الاعتراف بحدوثِ أيّ شيءٍ في الفرائض ويصرّون على أنها مُجرَّد رموزٍ للحقائق الروحيَّة، وأنه من الأفضل القولُ بأنّ الله يتكلَّم إلينا ويُخبِرُنا عن مَحبَّته في كُلٍّ من كلمتِه المكروزِ بها وفي الفرائض، وأنه في الفرائض يمكنُنا التعبيرُ خارجيَّاً عن الالتزام الداخليّ لقلوبنا.

 

لا يمكننا الاستغناءُ عن الفرائض، لأنّ الله أوصى بها. لقد قدَّمَها لنا لخيرنا، حتَّى يمكنَهُ بأبسطِ الوسائل ضمانُ هدفِهِ الخلاصيِّ لنا ويمكننا بيانُ قبولِنا لنعمته. الفرائضُ ليست "وسائطَ النعمة" الوحيدة وليست وسائطَ لا غنى عنها، ولكنّ اللهَ يريدُ عادةً أنْ ينالَ جميعُ المسيحيّين هذه التعهُّداتِ والرموزَ لخلاصِه.

 

كان يوحنَّا المعمدان يُعمّدُ بالماء جميعَ الذين يتوبون ويطلبون غفرانَ خطاياهم استعداداً لمجيء المسيَّا، أي يسوع. وتنبَّأ بأنّ المسيَّا القادم سوف يُعمِّدُ بالروح القُدُس. وبالتالي، يمكن أنْ تشيرَ كلمةُ المعموديَّة إلى فعلِ تطهيرٍ خارجيٍّ بالماء أو إلى قبولِ الروح القُدُس. توجد طريقةٌ ثالثةٌ تُستخدَمُ بها الكلمة. تكلَّم يسوع عن موته على الصليب كمعموديَّةٍ (لوقا 50:12). كان يستخدمُ هنا استعارةً من العهد القديم ترتبطُ بها المعاناةُ والبلوى بتجربةِ الغرقِ في الماء أو الابتلاعِ من البحر (المزمور 1:69-2، 14-15). قد يشير هذا إلى أنَّ يسوع تحمَّلَ "معموديَّة" الألمِ لكي ينالَ الذين يؤمنون به، ويطيعون معموديَّة الماء، بركاتِ آلامِه من أجلهم.

 

أمَّا المعموديَّةُ المسيحيَّةُ، التي تتميَّزُ عن معموديَّةِ يوحنَّا أو معموديَّة آلام يسوع، فهي علامةٌ على أننا قد تطهَّرْنا من خطايانا ونِلْنا الغفران بفضل ما فعله المسيح لنا (أفسس 26:5). كما أنها العلامةُ الخارجيَّةُ المقابلةُ للقبولِ الداخليِّ للروح الذي نزل أيضاً على يسوع في معموديَّته (أعمال الرُسُل 38:2). فهي تَحْدُثُ "باسمِ يسوع المسيح" (أعمال الرُسُل 38:2)، وبذلك تشير إلى أنَّ المُعمَّدين ينتمون للمسيح، فهم مُتحدّون بيسوع ولذلك يشتركون في موته وقيامته (رومية 1:6-11). وأخيراً، فإنهم يعتمدون "في الجسد" (انظر 1 كورنثوس 13:12)، وبالتالي يصبحون أعضاءً في الكنيسة. معموديَّةُ الماءِ باختصارٍ هي القبولُ الخارجيّ لنعمة الله ومن خلالها يتحدُّ المرءُ بالإيمان بيسوع المسيح مُخلِّصاً له، ويصبحُ عضواً في شعب الله. وبالطبع، لا يرتبط قبولُ الخلاص بلحظةِ المعموديَّة ولكنَّ معموديَّةَ الماءِ ومعموديَّةَ الروحِ تُشكِّلان جزءين من فعلٍ واحدٍ للتلقين المسيحيّ.

 

مورِسَتْ ثلاثُ طُرقٍ للمعموديَّة في الكنيسةِ المسيحيَّة: التغطيسُ الكُلّيُ في الماء، والسَّكْبُ، أي صبُّ الماء على شخصٍ يقف في بِركةٍ، والرشُّ، وهو أسلوبٌ منبثقٌ عن السكب. يرمز التغطيسُ على نحوٍ واضحٍ إلى الموتِ والقيامة مع يسوع. ومع ذلك، يرمزُ السَّكْبُ بالوضوح نفسه إلى انسكاب الروح، ومن المستحيل أنْ نرى إمكانيّةً لظهورِ فكرةِ المعموديَّة بالروح لو لمْ تمارَسْ معموديةُ السَّكب. من المُرجَّح في الواقع أنَّ طريقتي المعموديَّة، أي التغطيسُ والسَّكبُ، كانتا تُمارَسان جنباً إلى جنبٍ في الكنيسةِ في أزمنةِ العهدِ الجديد، وليس مِنَ الممكنِ التأكيدُ بناءً على أسسٍ كتابيَّةٍ أنَّ إحداهما أو الأخرى هي الطريقةُ "الصحيحة" للمعموديَّة.

 

في الوقت نفسِه، المعموديَّةُ رمزٌ لنعمةِ الله ولاستجابتنا. وبالتالي، فإنَّ "شروطَ" المعموديَّةِ هي سماعُ كلمةِ الله، والتوبةُ عن الخطيَّة، والإيمانُ بيسوع المسيح (أعمال الرُسُل 38:2؛ 8:18). ليست هذه "شروطاً" بمعنى أنها تُمثِّلُ معياراً ينبغي أنْ نُحقِّقَهُ حتَّى نليقَ بالمعموديَّة. ولكنها بالأحرى خصائصُ نوعٍ من الإيمان يقبلَ الإنجيلَ بسرورٍ استجابةً لدعوة الله، ويؤمنُ بالمسيح ويعترفُ علانيةً بالولاء له.

 

نشأتْ ممارسةُ تعميدِ الرضّع (وليس الأطفالَ المؤمنين) في وقتٍ مُبكِّرٍ جدَّاً في الكنيسة. اجتمعَتْ عدّةُ أمورٍ لتوحيَ للعديدِ من المسيحيّين بأنَّ معموديَّةَ الأطفالِ تتوافقُ مع تعليمِ العهدِ الجديد، حتَّى وإنْ لم تكنْ قد وردتْ صراحةً في التعليم. وهذه الأمورُ هي تشبيهاتُ العهد (ِراجع أعمال الرُسّل 39:2)، والختانُ (كولوسي 11:2-12) في العهد القديم، والشعورُ القويُّ بالقرابةِ العائليَّة في العهد الجديد إذْ ينضمُّ أفرادُ العائلةِ لرأسِها فَيُصبحون مسيحيّين (أعمال الرُسُل 15:16، 34؛ 8:18)، والمكانةُ التي يُخصِّصُها يسوعُ للأطفال في ملكوت الله (لوقا 15:18-17) ولوقا يستخدمُ كلمةَ "رضّع". في مثلِ هذه الحالات، لا يمكن أنْ تتّضحَ لفعلِ المعموديَّةِ أهميَّتُه المعتادةُ نظراً لعدمِ تحقُّقِ الشروط، ولا يمكن القول إنَّ الطفلَ قد تحوَّل، وينبغي عليه أنْ يستجيبَ بنفسه للإنجيل. وبالتالي، يمكن القول بأنَّ رغبةَ الوالدين في تكريسِ طفلِهما إلى الله، والصلاةِ من أجل خلاصه يمكنُ التعبيرُ عنهما تعبيراً أفضل في خدمةِ الشكرِ والصلاة (على الرغم منْ أنّ الكتابَ المُقدَّس لا يُقِرُّ بهذا بوضوح؛ انظر لوقا 22:2-24)، ولذلك قد يختبرُ الطفلُ شخصيَّاً الأهميَّةَ الكاملةَ للمعموديَّة عندما يؤمنُ بيسوعَ إيماناً واعياً. ومع ذلك، يمكن القولُ من ناحيةٍ أخرى بأنَّ معموديَّةَ الأطفال تُعبِّرُ عن حقيقةِ كونِ الخلاصِ مُتاحاً للمُعمَّدين، بالإضافة إلى ثقةِ الوالدين بروح الصلاة بأنَّ طفلَهما سوف ينمو لإتمامِ معموديَّتِه بإيمانه بالمسيح إيماناً واعياً.

 

المعموديَّةُ هي الرمزُ النهائيُّ لتحوُّلِنا ودخولِنا الحياةَ المسيحيَّة بنعمة الله. العشاءُ الرَّبانيّ (أو كسرُ الخبز) هو علامةُ نعمةِ الرَّبّ المُستمرَّةِ لنا، "خبز السُيّاح". عندما اجتمعَ يسوعُ بتلاميذِهِ لتناولِ آخرِ وجبةٍ معاً، أخذَ رغيفَ خبزٍ وشكرَ، وكسَّره إلى قِطعٍ، ووزَّعَهُ عليهم قائلاً: "هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي." وبعد ذلك أخذ كأساً من الخمر، وشكرَ، وحينَ أعطاها لهم قال: "هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لوقا 19:22-20؛ تختلفُ الصياغة اختلافاً طفيفاً في الأناجيل الأخرى وفي 1 كورنثوس 23:11-25). حافظ التلاميذُ على هذا الطقسِ البسيط، وكان في البدايةِ جزءاً من الوليمةِ المشتركةِ للكنيسةِ كُلَّ يومٍ من أيَّامِ الأحد.

 

ما الذي كان يعنيه هذا؟ عندما باشرَ يسوعُ احتفالَ عيدِ الفصح قبل موته، كان يحقّقُ النبوَّةَ بأنّ جسدَهُ سوف يُكسَرُ، ودمَهُ سوف يُسفَكُ، للتصديقِ على العهدِ الجديدِ لله مع إسرائيلَ الجديدة. وبتقديمِ يسوعَ الخبزَ والخمرَ لتلاميذه كان يدعوهم للمشاركةِ في بركاتِ العهدِ الجديد. بالنسبة لنا، بعد أنْ ماتَ المسيحُ وقامَ من الموت، صارَ العشاءُ الرَّبانيّ يعني خمسةَ أمور.

 

أوَّلاً، إنه يُذكِّرُنا بموته، وبمعنى موته بالنسبةِ لنا. نفعل ذلك لذِكْرِهِ، حتّى عندما نقبلُ الخبزَ والخمرَ يمكننا أنْ نتذكَّرَ أنه مات من أجل خلاصنا (1 كورنثوس 25:11).

 

ثانياً، عندما نشكرُ اللهَ على الخبزِ والخمرِ (اللذين هما في حدِّ ذاتِهما رمزان لتدبيرِ اللهِ اليوميِّ لاحتياجاتِنا الجسديَّة)، فنحن نشكرُهُ على عطيَّةِ الخلاص التي يُمثِّلانِها. ويُعبَّرُ عن عنصرِ الشكر هذا باستخدامِ مصطلحِ "الأفخارستيا" كاسمٍ للعشاء.

 

ثالثاً، كثيراً ما يتحدَّثُ الكتابُ المُقدَّسُ عن الحياةِ الآتية كوليمةٍ (لوقا 29:22-30). والعشاءُ هو تذوّقٌ لتلكَ الوليمةِ، لأننا فيه نُبيِّنُ موتَ الرَّبِّ إلى أنْ يأتيَ ويَحِلَّ العيانُ محلَّ الإيمان. وبالتالي، فإنَّ العشاءَ توقُّعٌ نبويٌّ للخلاصِ الكامل.

 

رابعاً، يُمكنُ للمسيحيّين الذين يتطلَّعون إلى الشركةِ مع المسيح على مائدتِهِ السماويَّةِ أنْ يكونوا على علاقةٍ معه هنا والآن. فهو حاضرٌ كمضيفٍ لإعطائنا البركاتِ الروحيَّة، التي يُمثِّلها الخبزُ والخمر (راجع متَّى 20:18). فالكأسُ مشارَكةٌ في دمه، والخبزُ مشارَكةٌ في جسده (1 كورنثوس 16:10)، وهكذا فالعشاءُ علامةٌ واضحةٌ على الطريقةِ التي نتغذّى روحيّاً بالمسيح نحن المؤمنينَ به (يوحنَّا 51:6-58).

 

خامساً، الرغيفُ الواحدُ الذي نشاركُهُ في العشاء رمزٌ لوحدةِ شعب الله مع بعضهم البعض كأعضاءٍ في الجسد الواحد (1 كورنثوس 17:10). يتَّحد المسيحيّون في الشركة كشعبِ اللهِ الواحدِ في العشاء إذْ يعبدون الرَّبَّ يسوعَ المسيح ويحمدونه ويقبلون نعمته.

 

خدمة الكنيسة (أفسس 1:4-16)

 

لم يُحرِزْ أيُّ مجتمعٍ بشريٍّ تقدَّماً ما دونَ تعيينِ أعضاءٍ مُعيَّنين منه لأداءِ مهامَّ مُتنوِّعةٍ بالنيابة عن الأعضاء الآخرين، ولإدارة القانون والنظام. وبالتالي، حتَّى مِنْ وُجهةِ النظر البشريَّة البحتة، يمكننا أنْ نرى الحكمةَ من تعيين الكنيسة أشخاصاً مُتنوِّعين لأداء عملها. ولكن مُهمَّةَ الخدمةِ في الكنيسة ليست فقط لتسهيلِ الأمرِ للبشر، فقد عيَّن اللهُ ضرورةَ وجودِ خدمةٍ في الكنيسة، كما جاءَ يسوعُ نفسُهُ كخادمٍ (مرقس 45:10). يسوع مثالٌ للخُدَّامِ الآخرين المُتنوِّعين الذين يُعيِّنُهُمُ اللهُ في كنيسته. وهكذا فإنَّ اللهَ يُعيِّنُ خدمةَ الكنيسة (1 كورنثوس 28:12؛ أفسس 11:4) بهدف أنْ تنموَ الكنيسةُ إلى النُّضج (أفسس 12:4-13).

 

أدَّى تشوُّشُ المصطلحاتِ إلى تقييدٍ في نطاق ِالخدمةِ في العديدِ من كنائسِ هذه الأيام. تُستخدَمُ كلمةُ "الخادم" في العهد الجديد إمَّا عن أيّ شخصٍ لديه مُهمَّةٌ في الكنيسة (أفسس 7:3؛ 21:6) أو عن مجموعةٍ من الأشخاص الذين، إلى جانب الأساقفة (أو النُظّار)، لديهم وظيفةٌ مُحدَّدةٌ في الكنيسةِ المحليَّة (فيلبّي 1:1؛ 1 تيموثاوس 8:3-13). وفي الحالة الثانية أصبحَتْ كلمةُ "الشمَّاس" قياسيَّةً. ومع ذلك، غالباً ما نحصُرُ اليومَ مصطلحَ "الخادم" في شخصٍ واحد في الكنيسة المحليَّة نتوقّع منه إكمالَ مجموعةٍ مُتنوِّعة من المهامِّ المختلفةِ للخدمة، ونتيجةً لذلك نميل للاعتقاد بأنَّ الخدمةَ كُلَّها في الكنيسةِ يجب أنْ تقعَ على كاهله. يترتَّبُ على هذا وضعٌ أشبهُ بوضعِ مصنعٍ فيه مئةُ مديرٍ وعاملٌ واحد: فالناتجُ ضئيلٌ. نحن بحاجةٍ لاستعادةِ تأكيدِ العهدِ الجديد على خدمةِ مجموعةٍ أكبرَ من الناس. في الواقع، قد يكون من المستحسنِ ألّا نتحدَّثَ عن "الخادم"، وقد يكون حتَّى مِنَ الأفضلِ إذا تخلَّينا عن إلباسِهِ ملابسَ زاهيةً وتسميتِهِ "القسّ" – فهذه ممارساتٌ غيرُ موصىً بها بالتأكيد في العهد الجديد، وربَّما تكون مخالفةً لروحه (متَّى 8:23-12).

 

ظهرَتْ في بعض الأحيان نظرةٌ خاطئةٌ عن الخدمةِ بسببِ الخلطِ بين الخدمةِ والكهنوت. وكما رأينا بالفعل، فإنَّ الكنيسةَ مملكةُ كهنةٍ، ويمكن اعتبارُ كُلِّ عضوٍ فيها كاهناً (الرؤيا 6:1). وهذا يعني أنَّ كُلَّ مسيحيٍّ له الحقُّ في الاقترابِ إلى الله، وعليه واجبُ تقديمِ نفسِهِ كذبيحةٍ لخدمةِ الله. ولا يحتاجُ أيٌّ منَّا إلى كاهنٍ بشريّ مُعيَّنٍ تعييناً خاصَّاً ليعملَ كوسيطٍ لنا أمامَ الله، لأنَّ يسوعَ المسيحِ وحدَه هو الوسيط (العبرانيّين 21:10). يَحِقُّ لكُلّ مؤمنٍ مسيحيٍّ الاقترابُ إلى الله في الصلاة بالنيابة عن إخوتِنا المؤمنين (يعقوب 16:5). وبالتالي فإنَّ جميعَ المسيحيّين كهنةٌ، والشخصُ المدعوُّ خصّيصاً لمُهمَّةِ الخدمة ليس أكثرَ ولا أقلَّ كهنوتاً من أيّ مؤمنٍ آخر. ومع أنَّ الكلمةَ الإنجليزيَّة "priest" أي "كاهن" مُشتقَّةٌ في الواقع من الكلمة اليونانيَّة "presbyter" (أو الشيخ)، فقد أصبحَ للكلمةِ معنى الشخصِ الذي يُقدَّم الذبيحةَ لدرجة صار معها استخدامُها لتعنيَ الخادمَ أمراً غريباً.

 

إذا كان جميعُ المسيحيّين كهنةً، فمن الممكنِ أيضاً اعتبارُ أنهم جميعاً لديهم مُهمَّةُ خدمةٍ في الكنيسة يُؤدِّونها لمصلحتِها ككُلٍّ (1 تسالونيكي 11:5؛ العبرانيّين 24:10). يجب أنْ نُوجِّهَ انتباهَنا في هذا السياق إلى ما يُعلِّمُهُ بولسُ عن مواهبِ الروح (1 كورنثوس 12؛ 14)، لأنه من الواضح أنَّ هذه المواهبَ مُخصَّصةٌ في المقام الأوَّل لمصلحة الكنيسة ككُلٍّ، على الرغم من أنها قد تُفيدُ بالطبع الشخصَ الذي يملكها. يُعلِّم بولسُ أنه توجدُ مجموعةٌ مُتنوِّعةٌ من المواهبِ التي تشملُ القوى المُعجزيَّةَ للنبوَّةِ والشفاءِ والتكلُّمِ بألسنةٍ، وكذلك المواهبُ العاديَّة المُتمثِّلةُ في كلامِ الحكمةِ والعلم، وحتَّى أداءِ أعمالِ الخدمةِ المسيحيَّةِ والسخاء (راجع رومية 6:12-8). يوزّع الروحُ هذه المواهبَ وفقاً لهدفه الخاصّ (1 كورنثوس 11:12). وبالتالي، لا يوجد سببٌ للاعتقاد بأنَّ أيَّةَ موهبةٍ مُعيَّنةٍ يجبُ اعتبارُها علامةً على المؤمنِ الممتلئِ بالروح، على الرغم من أنَّ جميعَ المسيحيّين يجب أنْ يجاهدوا ليكونوا أناساً يعملُ الروحُ من خلالهم من أجلِ الخير الأسمى للكنيسة ( 1 كورنثوس 31:12).

 

يوجد قدرٌ من الجدل حول ما إذا كان بعضٌ من هذه المواهب (مثل النبوَّة والتكلُّم بألسنةٍ) لم يظهرْ سوى في الأيَّام الأولى للكنيسة أو كان من المفترض أنْ تكون دائمةً. يمكن القول إنَّ مواهبَ مثل النبوَّة كانت ضروريَّةً قبل أنْ تحظى الكنيسةُ بمُجملِ الأسفار القانونيّة للكتاب المُقدَّس للاسترشاد بها، ولكنها أقلُّ ضرورةً في أيَّامنا هذه. مهما كان استنتاجُنا في هذا الأمر، يجب على جميع المسيحيّين الترحيبُ بالمواهبِ التي يختارُ الروحُ أنْ يَهِبَها للكنيسة اليوم مهما كانت.

 

بما أنَّ الروح يهبُ مواهبَ مختلفةً لأشخاصٍ مختلفين، من الحتميّ أنْ يدعوَ اللهُ مَنْ يملكون مواهبَ ملائمةً لأداءِ خدماتٍ خاصَّةٍ داخل الكنيسة (1 كورنثوس 4:12-11). يتصرَّفُ هؤلاء الأشخاص لأنَّ الله دعاهم ليكونوا خُدَّاماً له وليس لأنهم يختارون بأنفسهم عمل ذلك. يجب أنْ تكون خدمتُهم نابعةً من الرغبة في خدمةِ الله وتمجيده، وليس لهدفِ المكاسب الشخصيَّة. ومع ذلك، في حين أنه يجب ألَّا يسعوا وراءَ أيَّةِ كرامةٍ لأنفسهم، يجب أنْ يَلْقَوا الاحترام بسبب مكانتِهم كخُدَّامٍ لله (1 تسالونيكي 12:5-13).

 

تَرِدُ في العهدِ الجديدِ مجموعةٌ مُتنوِّعةٌ من الخدماتِ ومهامِّ الخدمة، ولا يوجد نمطٌ دقيقٌ مُحدَّدٌ يمكن أنْ تتَّبعَهُ الكنيسة في كُلّ حالةٍ. من الواضح أنَّ الروح كان يُرشد الكنيسةَ حسب احتياجاتها المحليَّة. ونظراً لغيابِ نمطٍ مُحدَّدٍ بالتفصيل، فإنَّ مُهمَّتنا اليوم هي اتّباعُ المبادئِ الأساسيَّة التي تظهرُ في الأنواع المختلفة للنظامِ الكنسيِّ في العهد الجديد. وهذا يعني في الواقع أنه قد يوجدُ اختلافٌ كبيرٌ في التفاصيلِ من كنيسةٍ إلى أخرى كما كان الحالُ في كنائس العهد الجديد. لا تعتمد وحدةُ الكنيسة على استخدامِ جميعِ الكنائس المحليَّة للنمط نفسِه من الخدمة، ولا تعتمد بمقدارٍ أقلَّ على توجُّهِ جميع الكنائس المحليَّة لتكونَ مُنظمَّةً واحدة.

 

العمل الأكثر محوريّة في الخدمة الكنسيّة هو الكرازة بكلمة الله (2 تيموثاوس 1:4-5). وهذا يشمل كرازةَ المُبشِّرين بالإنجيل لغيرِ المؤمنين، وتعليمَ المُعلِّمين للمسيحيّين. وربَّما يجبُ تضمينُ إدارةِ فرائضِ الكلمة هنا (التي غالباً ما يُؤدِّيها الشخص نفسه، أعمال الرُسُل 11:20)، لأنه من أجلِ اللياقةِ والترتيب (1 كورنثوس 40:14) من المستحسن أنْ يعملَ هذا أولئك القادرون على عمله، والذين فوَّضَتْهم الكنيسةُ بذلك.

 

المُهمَّة الثانية للخدمة هي الاهتمامُ الرعويَّ والتأديب. تتطلَّبُ التنشئةُ الروحيَّةُ للأعضاء رعايةً واهتماماً فرديَّيْن. سوف يتعرّضُ أعضاءُ الكنيسة دائماً لخطرِ أخطاءِ الإيمانِ والحياةِ نظراً لأنَّ الكنيسة تتكوَّنُ من أشخاصٍ لا يزالون عُرضةً للخطيَّة، وبالتالي ينبغي أنْ يوجدَ نوعٌ من التأديب للحفاظ على القداسة والمَحبَّة. يوجد في العهد الجديد حكمٌ واضحٌ لتوبيخِ الخاطئين، لدرجةِ استبعادِهم من الشركة ماداموا غيرَ نادمين (متَّى 15:18-20؛ 1 كورنثوس 1:5-5). وهدفُ مثلِ هذا التأديبِ هو دائماً علاجيٌّ، مع ضرورةِ بذلِ جميعِ الجهودِ لاستعادةِ الخاطئ إلى الشركة (2 كورنثوس 5:2-11). ربّما يندهشُ القرّاءُ المعاصرون من قسوةِ كُتَّابِ العهدِ الجديد حولَ هذا الموضوع (2 يوحنَّا 8-11).

 

شعرَتِ الكنيسةُ منذ أيَّامِها الأولى في أورشليم بمسؤوليَّةِ العنايةِ بالفقراءِ من أعضائها (أعمال الرُسُل 44:2-45)، وسرعانَ ما عيّنَتْ أفراداً للاهتمام خصِّيصاً بمُهمَّة هذه الخدمة (أعمال الرُسُل 1:6-8). شجَّعَ بولسُ أيضاً الكنائس التي أسَّسَها على توفيرِ احتياجاتِ الفقراء في فلسطين (رومية 27:15؛ 2 كورنثوس 9:8). إلى جانبِ عملِ الخير هذا، وفَّرَتِ الكنيسةُ أيضاً احتياجاتِ منِ انقطعَتْ عنهم مصادرُ دخلِهِمِ العاديَّةُ من أجلِ أداءِ مهامِّ الخدمة (فيلبّي 10:4-20؛ 1 كورنثوس 14:9؛ 3 يوحنَّا 5-8). لم تظهرْ مُهمَّةُ رعايةِ ممتلكاتِ الكنيسة في أزمنةِ العهدِ الجديد، لأنه يبدو أنه لم تكنْ توجدُ أيَّةُ ممتلكاتٍ في تلك المرحلة. ومع ذلك، فإنَّ مشكلاتِ رعايةِ الممتلكاتِ لا تختلفُ من حيثُ المبدأِ عن مشكلاتِ تأمينِ الأموال، ومن الواضح أنَّ الكنيسةَ ينبغي أنْ تُفوِّضَ مسؤوليَّةَ هذه الرعايةِ للمُمثِّلين المناسبين. يمكنُنا استنتاجُ فارقٍ كبيرٍ بين الأشخاصِ المُعيَّنين لخدمةِ الكلمة، وبين المعيّنين لرعايةِ المصالحِ الماديَّةِ للكنيسة استناداً إلى أعمال الرُسُل 1:6-6 وفيلبّي 1:1.

 

كان مُمثِّلو الكنيسةِ في العهد الجديد يرسمون أو يُخصِّصون خدّاماً متنوّعين لأداءِ مهامِّهم وفقاً لطقسٍ يتضمَّنُ الصلاةَ ووضْعَ الأيدي. واتُّبِعَ هذا الإجراءُ في تعيين المهتّمين بالفقراءِ في أورشليم (أعمال الرُسُل 6:6)، والمُرسَلين (أعمال الرُسُل 1:13-3)، والشيوخِ في الكنائسِ المحليَّة (أعمال الرُسُل 23:14) والكارزين مثل تيموثاوس (1 تيموثاوس 14:4؛ 2 تيموثاوس 6:1). وبموجب هذا الفعل اعترفَتِ الكنيسةُ بالدعوة الإلهيَّة لمثل هؤلاء الناس (أعمال الرُسُل 2:13)، واعترفَتْ بسلطتِهم في التصرُّفِ بالنيابة عنها وأكدَّتْ على معونةِ الله لمَنْ دعاهم للتصرُّفِ بهذه الطريقة.

 

تتعلَّقُ إحدى المشكلاتِ المُحدَّدةِ في الكنيسةِ الحديثة برسامةِ النساء. وبتعبيرٍ أدقّ، تتعلَّقُ برسامةِ النساء "كخادماتٍ" بالمعنى الحديثِ المحدودِ للمصطلحِ الذي يشيرُ إلى الذين يملكون سلطةَ الكرازةِ وتقديمِ الفرائض. كانت النساءُ في العهدِ الجديد يُؤدِّين مهامَّ مُتنوِّعةً من الخدمة (أعمال الرُسُل 26:18؛ 9:21؛ رومية 1:16؛ فيلبّي 3:4). وفي الوقت نفسه، منعَ بولسُ النساءَ من التكلُّمِ في الكنيسة (1 كورنثوس 33:14-35)، وقال إنه يجب عليهن الصمتُ وعدمُ تعليمِ الرجال أو التسلّطِ عليهم (1 تيموثاوس 11:2-12). يوجد خلافٌ هنا يحتاجُ إلى حلٍّ بين الممارسة والمبدأ. يتجاهلُ بعض المسيحيين المعاصرين ببساطةٍ تعليمَ الكتابِ المُقدَّس في هذا الأمرِ مُؤكِّدين أنه لا يوجد سببٌ يمنعُ رسامةَ النساء. أمَّا الآخرون، الذين يقبلون سلطان الكتاب المُقدَّس، فهم إمَّا يشعرون بأنَّ المهامَّ المتاحةَ للنساء في الكنيسة لا تتضمَّنُ إلقاءَ التعليمِ علانيةً، أو يقولون إنَّ محظوراتِ بولس كان المقصودُ منها مواقفَ مُعيَّنةً في العالم القديم ويمكنُ تفسيرُها وتطبيقُها بطريقةٍ مختلفةٍ في الكنيسة اليوم. ربَّما كان من الضروريّ في الوضع الاجتماعيّ للكنائس في أيَّام بولس عدمُ الإساءةِ إلى اليهود وغيرِهم ممَّن لم يستطيعوا فهمَ المساواةِ الجديدةِ بين الرجالِ والنساءِ في المسيح (غلاطية 28:3) وبالتالي كان من الواجب تقييدُ بعضِ النساء اللواتي كُنَّ يستخدمْنَ حُريَّتهن الجديدَةَ للانضمامِ إلى العبادةِ بطريقةٍ غير مسؤولةٍ فيُشوِّهنَ بذلك سُمعةَ الكنيسة.

 

لا يُسهِبُ العهدُ الجديدُ في الحديثِ عن إدارةِ الكنيسة. فعلى المستوى المحليّ كان يوجدُ أشخاصٌ مُكلَّفون بالقيادة (1 تسالونيكي 12:5-13)، ولكننا لا نعرفُ كيف عُيِّنوا. من المحتمل أنْ تكونَ القيادةُ في المراحلِ المُبكِّرةِ من الكنيسةِ قد انتقلتْ إلى المتحوِّلين الأوائل أو إلى المتقدّمين في العمرِ والخبرةِ المسيحيَّة (راجع استخدام مصطلح "شيخ"). وفي زمنِ الرسائلِ اللاحقةِ لبولس، كان في بعضِ الكنائسِ عددٌ من الأساقفةِ والشيوخِ والشمامسةِ، لكنَّ وظائفَهُمُ الدقيقةَ غيرُ معروفةٍ. وفيما يتعلَّقُ بالعلاقاتِ بين الكنائس، فنحن أيضاً لا نملِكُ أيَّ مقدارٍ من المعرفة. من الواضح أنَّ الرُسُلَ والكارزين الذين أسَّسوا الكنائس كانوا يملكون قدراً من السلطةِ عليها، وربّما كانتِ الكنائسُ تلتقي معاً أيضاً لمناقشةِ الأمور ذاتِ الاهتمامِ المشترك (أعمال الرُسُل 15). يمكن إيجادُ عناصرِ الاستقلاليَّةِ (" أي الجمهوريّة") والأسقفيَّةِ والمشيخيَّةِ في العهد الجديد، ولكن لا يمكنُ لأيٍّ نظامٍ من هذه الأنظمةِ الحديثةِ التأكيدُ على أنه وحدَه يُمثِّل المعيارَ الكتابيّ.

 

أسئلةٌ للدراسةِ والمناقشة

 

  1. الكنيسةُ هي الشعبُ وليست المبنى. هل من المناسب التحدُّثُ عن "الذهاب إلى الكنيسة"؟ هل من الممكن الذهاب إلى ما أنت عليه؟ ما هي نتائج هذا التفريق؟

  2. التفريق بين الكنيسة "المنظورة" و"غير المنظورة" أمرٌ حاسم. اذكر بعضَ آثارِ ذلك؟ الأثرُ الرئيسيُّ هو الكيفيَّةُ التي نرى بها المجتمِعِين لخدمةِ العبادة صباح يوم الأحد.

  3. كيف تشعرُ إزاءَ فهمِ مارشال بأنَّ الكنيسة هي إسرائيل الجديدة؟

  4. الجوانبُ الأساسيَّةُ الأربعةُ للكنيسةِ هي التعليمُ والشركةُ والصلاةُ والعبادة. هل يُمثِّلُ هذا تجربة كنيستك؟ إذا لم يكن كذلك، فلماذا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي فوائد الفهم الجيِّد للكنيسة؟

  5. لا يتَّفقُ مارشال مع التفكيرِ بأنَّ العبادةَ شيءٌ نُقدِّمه لله. ما رأيك في هذه المناقشة؟

  6. يقول مارشال إنَّ هدفَ الكنيسةِ الرئيسيّ ليس عبادةَ الله بل خدمتَه. ما رأيك في ذلك؟ ماذا ستكونُ نتائجُ ممارساتِنا الأسبوعيَّةِ إذا كان الأمر كذلك؟

  7. هل "يحدثُ" أيّ شيءٍ فعليٍّ في الفرائض؟

  8. يُقدِّمُ مارشال خمس نقاطٍ بخصوصِ ما يحدثُ في المعموديَّة. ما هي؟

أ.

ب.

ج.

د.

هـ.

  1. اذكرْ طُرقَ المعموديَّةِ الثلاث؟ أيُّها الأهمُّ بالنسبة لك؟

  2. يُقدِّم مارشال حُجَّةً قويَّةً لمعموديَّة الأطفال بطريقةٍ مفهومةٍ كتابيَّة. ما رأيك في ذلك؟

  3. ما الأجزاءُ الخمسةُ لمعنى العشاءِ الرَّبانيّ؟

أ.

ب.

ج.

د.

هـ.

  1. ما هي مشكلةُ استخدامِ كلمةِ "الخادم" لتعنيَ شخصاً واحداً فقط في الكنيسة؟ ماذا سيحدثُ في كنيستِك إذا فَهِمَ الجميعُ (ذكوراً وإناثاً) أنهم خدّامٌ وكهنة؟

  2. ما المهامُّ الرئيسيَّةُ للخدمةِ في الكنيسة؟ لأداءِ أيٍّ منها تميلُ بالأكثر؟