Loading...

دليل المعتقدات المسيحيَّة - Lesson 3

ماذا يمكن أنْ نعرفَ عن الله؟

على الرغم من أننا لا نستطيع معرفة الله بالبحث، فإن الله كشف لنا نفسه بطُرقٍ يمكننا فهمها. بما أننا مخلوقاتٌ مصنوعة على صورة الله (التكوين 26:1)، من الممكن أن يكون لنا بعض الفهم عن الله الذي صنعنا. كشف الله عن نفسه بلغة البشر، وبما أننا ندرك أن لغة البشر وسيلةٌ صادقة لكنها غير كافيةٍ لتوصيل حقيقة الله، يمكننا إحراز بعض التقدُّم في الفهم. لاءم الله نفسه بلطفه لعقولنا الضعيفة والخاطئة من خلال التكلُّم إلينا في إعلانٍ شخصيّ، ولذلك ينبغي أن نتذكَّر أن الشخص نفسه أعظم من الإعلان. علينا أن نتذكَّر أنه أبعد من نطاق فهمنا وأن الكلمات البشريَّة لا يمكنها التعبير عنه كما يحقّ وأنه لا يزال بإمكاننا أن نقول المزيد عنه.

I. Howard Marshall
دليل المعتقدات المسيحيَّة
Lesson 3
Watching Now
ماذا يمكن أنْ نعرفَ عن الله؟

Lessons
Transcript
  • ما دام الله قد أوحى بالفعل بالكتاب المُقدَّس، ربَّما يسأل أحدهم عن سبب دراسة العقيدة المسيحيَّة قائلاً: هل يكفي بالتأكيد أن يدرس المرء الكتاب المُقدَّس دون الانشغال بمسألة العقيدة؟ ربَّما تكون أبسط إجابةٍ عن هذا السؤال هي أن أيّ شخصٍ يدرس الكتاب المُقدَّس إنَّما يدرس العقيدة في الواقع. المناقشة المنهجيَّة للاهوت المسيحيّ سوف تنقل الطالب إلى العديد من مصادر المعرفة ومجالات التفكير. وسوف يكون هدفنا هنا هو الهدف الأكثر تواضعاً المُتمثِّل في محاولة وضع التعليم الكتابيّ الذي يُشكِّل أساس اللاهوت المسيحيّ.

  • تخبرنا العقيدة المسيحيَّة بما يؤمن به المسيحيّون عن الله. ولكن قبل أن نتمكَّن من مناقشة ما نؤمن به عن الله، ينبغي أن نعالج السؤال الأوَّليّ حول كيفيَّة التعرُّف على الله وعلى وجوده وطبيعته وأفعاله. فهذا السؤال له أهميَّةٌ حاسمة لأن الاختلافات بين المواقف اللاهوتيَّة المُتنوِّعة التي يعتنقها المسيحيّون غالباً ما تعتمد على اختلافاتٍ في طريقة التفكير بخصوص كيفيَّة معرفة الله.

  • على الرغم من أننا لا نستطيع معرفة الله بالبحث، فإن الله كشف لنا نفسه بطُرقٍ يمكننا فهمها. بما أننا مخلوقاتٌ مصنوعة على صورة الله (التكوين 26:1)، من الممكن أن يكون لنا بعض الفهم عن الله الذي صنعنا. كشف الله عن نفسه بلغة البشر، وبما أننا ندرك أن لغة البشر وسيلةٌ صادقة لكنها غير كافيةٍ لتوصيل حقيقة الله، يمكننا إحراز بعض التقدُّم في الفهم. لاءم الله نفسه بلطفه لعقولنا الضعيفة والخاطئة من خلال التكلُّم إلينا في إعلانٍ شخصيّ، ولذلك ينبغي أن نتذكَّر أن الشخص نفسه أعظم من الإعلان. علينا أن نتذكَّر أنه أبعد من نطاق فهمنا وأن الكلمات البشريَّة لا يمكنها التعبير عنه كما يحقّ وأنه لا يزال بإمكاننا أن نقول المزيد عنه.

  • القصَّة التي تدور في الكتاب المُقدَّس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا هي قصَّة كيفيَّة خلق الله العالم وسقوط العالم في الخطيَّة وتمرُّده عليه وكيفيَّة بدء الله عمليَّة خلقٍ جديد سوف يستمرّ لحين انتهاء كُلّ أثرٍ للخطيَّة. البشر ذروة خليقة الله وتاجها لأنهم صورة الله على عكس المخلوقات الأخرى (التكوين 26:1-27). وسريعاً ما تبع خلق البشر دخول الشرّ في قلوبهم. فقد خُلِقوا بإمكانيَّة الاختيار بين الصواب والخطأ وبين طاعة الله وعصيانه. لكنهم اتَّخذوا القرار الخاطئ بتحريضٍ من المُجرِّب فدخلت الخطيَّة العالم بجميع عواقبها الرهيبة.

  • الموضوع الرئيسيّ للاهوت المسيحيّ الذي يضفي عليه طابعه المسيحيّ هو مجيء يسوع إلى العالم مُخلِّصاً إيَّاه من الخطيَّة. ومجيئه على حدٍّ سواء إعلانٌ عن طبيعة الله المُقدَّسة المُحبَّة كما أنه فعل المَحبَّة السامية الذي يصالح به الله الخطاة لنفسه.

  • المرحلة التالية في دراسة العقيدة المسيحيَّة تراعي النظر في الحياة الجديدة التي يهبها الله لمن يقبلون يسوع مُخلِّصاً لهم من الخطيَّة. سوف نبدأ بالنظر إلى كلمتين عامَّتين تُستخدَمان لوصف اختبارنا كمسيحيّين، ثم نناقش أربعة جوانب مختلفة للحياة المسيحيَّة، وسوف ننظر أخيراً في طبيعة استجابتنا لهبة الله المُتمثِّلة في الخلاص والحياة الأبديَّة.

  • لا يمكن للمرء أن يصبح مسيحيَّاً بمُجرَّد الإيمان بيسوع المسيح دون أن يصبح في الوقت نفسه عضواً في شعب الله مع جميع إخوته المؤمنين وأن يشارك في حياة الكنيسة. في الواقع، لم يكن من الممكن أن نعرف يسوع دون شهادة المسيحيّين الآخرين وعملهم في ترجمة الكتاب المُقدَّس وتوزيعه وصلواتهم من أجلنا. لم يأتِ يسوع لخلاص الناس بمعزلٍ عن بعضهم البعض بل لتأسيس مجتمعٍ جديد من الناس يعملون على بنيان بعضهم البعض في الإيمان وكرازة العالم. ينبغي علينا الآن استكشاف معنى الكنيسة ومهامها.

  • يهتمّ علم الأخرويَّات بالتدخُّل الأخير لله في التاريخ لإنهاء العالم الحاضر الشرِّير ولبدء العالم الجديد. لكن فعل الله هذا لا يقتصر على المستقبل لأن الله بدأ خليقته الجديدة في مجيء يسوع وتأسيس الكنيسة. جرت العادة على فهم النبوَّات المُتعلِّقة بالأيَّام الأخيرة على أنها كانت تتحقَّق في الأيَّام الأولى للكنيسة. ولذلك، لكي نفهم ما سوف يحدث في المستقبل نحتاج إلى تلخيص قدرٍ من القصَّة الكتابيَّة حتَّى نضع المستقبل بعين الاعتبار.

3

 

ماذا يمكنُ أنْ نعرفَ عن الله؟

 

توجد ترنيمةٌ معروفة ترد في العديد من كُتب الترانيم، وتبدأ كلماتها باللغة الإنكليزية بما معناه:

الله الأبديّ غير المنظورْ كُلّيّ الحكمة والجلالْ

اختبأ   عَنّا   في    نورْ ما زال   بعيدَ  المنالْ

 

يتّسمُ مفهومُ الكثير من الناس عن الله بنغمةٍ سلبيَّة إلى حدٍّ ما، بتشديده على كون الله غيرَ منظورٍ وغيرَ قابلٍ للمعرفة. من المُؤكَّد أنه يوجد إحساسٌ بأنّ الله غيرُ مفهومٍ وأبعدُ من نطاقِ فهمنا، وأنه من الخطأ لنا أن نُفكِّرَ به على أنه "كائنٌ" يمكننا استيعابُه وإدراكُه مثل أيّ كائنٍ آخرَ في الكون. ولكنَ موضوعَ فصلِنا السابق أفادَ بأنه على الرغم من أننا لا نستطيعُ معرفةَ الله من خلال البحث، فإنَ اللهَ قد أعلنَ عن نفسه بطُرقٍ يمكنُنا فهمُها. من الممكن أن يكون لدينا قدرٌ من الفهم عن الله الذي خلَقَنا بما أننا مخلوقاتٌ مصنوعةٌ على صورة الله (التكوين 26:1). لقد أعلن اللهُ عن نفسه من خلال اللغة البشريَّة، ونحن نعلمُ أن اللغةَ البشريَّة أداةٌ حقيقيَّة ولكنّها غيرُ كافيةٍ لتوصيل حقيقة الله، وهي تساعدنا لكيْ نحرزَ بعضَ التقدُّم في الفهم. لقد تنازلَ الله نفسُه بلُطفِه إلى حدّ أذهاننا الضعيفة الخاطئة من خلال التحدُّث إلينا في إعلانٍ شخصيّ، ولذلك ينبغي أن نتذكَّر أن الشخصَ نفسَه أعظمُ من الإعلان. قال تشارلز ويسلي إننا نرى في يسوع:

إلهَنا في حقبةٍ من الزمان

ظاهراً بطريقةٍ غيرِ مفهومةٍ في هيئة إنسانٍ

 

ينبغي أن نتذكَّرَ أنّ الله أعظمُ من فهمنا، وأنّ الكلماتِ البشريَّةَ لا يمكن أن تُنصِفَه، وأنه لا يزال بوُسْعِنا أن نقولَ الكثير عنه.

 

الله في ثلاثة أقانيم (أفسس 3:1-14)

 

يكشفُ الكتابُ المُقدَّس لنا عن الله بطُرقٍ ثلاث. نقرأ في العهد القديم على وجه الخصوص عن الله الخالق ورّبِ الكون. إنه الله وحده، لأن أصنامَ الوثنيّين ليستْ آلهة حقيقيّة (المزمور 5:96؛ إشعياء 12:45-18). كان اليهود مقتنعين بالتوحيد على أساس التعليم في العهد القديم، أي مؤمنين بوجود إلهٍ واحد فقط (مرقس 28:12-34؛ قارن التثنية 4:6).

 

وبخلاف هذه الخلفيّة آمنَ المسيحيّون الأوائلُ أنّ يسوعَ اشتركَ في طبيعةِ الله، ويمكننا أنْ نرى أنها كانت خطوةٌ جديرة بالملاحظة. أكَّد يسوع نفسُه أنه أتى من الله، وتحدَّثَ عنه بطريقةٍ شخصيَّة فريدةٍ باعتبارِه أباً له (متَّى 25:11-27). وعندما قام من الموت، رأى المسيحيّون في هذا تأكيداً على المكانة التي أكَّدها لنفسه، وقالوا إن الله قد أعطاه لقب "الرّبّ" (أعمال الرسل 36:2). وصفَهُ كاتبُ أحدِ الأناجيل بأنه لوغوس (أي "الكلمة" باللغة اليونانيَّة)، أي كائنٌ منفصل عن الله ومع ذلك فهو الله (يوحنَّا 1:1؛ قارن 28:20). أمَّا الكنيسة فعرفَتْهُ بابن الله (أعمال الرسل 20:9؛ رومية 3:1؛ غلاطية 20:2؛ العبرانيّين 1:1)؛ وكانت ترفع صلواتها له (أعمال الرسل 59:7؛ 1 تسالونيكي 11:3-13)؛ وكانت تعبدُهُ باعتباره الرّبّ (رومية 9:10-13؛ راجع فيلبّي 9:2-11)؛ وتنسِبُ له ألقاباً مُستخدَمة لله في العهد القديم (فيلبّي 10:2-11)؛ قارنْ رومية 10:14-12 وإشعياء 23:45؛ 1 بطرس 3:2؛ قارن المزمور 8:34).

 

تضمَّن العهدُ القديم إشاراتٍ إلى روح الله باعتباره أحدَ الطُرق التي تحدَّثَ بها اللهُ وعَمِلَ بها في العالم. انكشف هذا الكائنُ انكشافاً أكثر اكتمالاً في العهد الجديد. أُشيرَ إلى كونه "مُعَزِّيًا آخَرَ" (أي "مُقوِّيّاً" أو "مُدافِعاً") أرسله اللهُ ليحلّ محلَّ يسوع مع أتباعه بعد الصعود (يوحنَّا 16:14-17، 26؛ 7:16-11، 13-15، 26). كما وُصِفَ بمصطلحاتٍ شخصيَّة (رومية 26:8-27؛ 30:15؛ 1 كورنثوس 11:12؛ أفسس 30:4؛ 1 تيموثاوس 1:4)، ويُعتبَر إلهاً (2 كورنثوس 17:3-18).

 

الشيء المُذهِل هو الطريقة التي تذْكُر بها أقدمُ الكتاباتِ المسيحيَّة اسمَ اللهِ الآب ويسوعَ ابنِهِ جنباً إلى جنبٍ (غلاطية 3:1؛ 1 تسالونيكي 1:1) بطريقةٍ لا بدّ وأنها صدمت اليهودَ بإيمانهم بتفرُّد الله الآب. كما ارتبط الروحُ القدسُ بالآب وبالابن على نحوٍ يبيّن يقيناً بأنّ الأقانيم الثلاثة جميعهم على المستوى نفسه (متَّى 19:28؛ 2 كورنثوس 14:13؛ أفسس 18:2؛ 4:4-6؛ 2 تسالونيكي 13:2-14؛ 1 بطرس 1:1-2). أمَّا المصطلح نفسه "الله" فنادراً ما يُستخدَم مباشرةً عن يسوع، ولا يُستخدَمُ البتة عن الروح القدس.

 

نشأ هذا الفهم للآب والابن والروح من الاختبار المسيحيّ في ما أعلن اللهُ عن نفسه في يسوع، ثمّ في حياة الكنيسة، ويبدو أن كُتَّابَ العهد الجديد قد قَبِلوه دون تفكيرٍ مُتعمِّقٍ في تضميناته. لكن المشكلة كانت حتميّةٌ: كيف يمكن التوفيقُ بين هذا الاعتقاد بثلاثة أقانيمٍ إلهيَّة وبين فكرة العهد القديم عن إلهٍ واحد فقط؟ بُذِلَتِ العديدُ من المحاولات لحلّ هذه المشكلة خلال أوّل قرنين أو ثلاثة قرونٍ من التاريخ المسيحيّ. جُرِّبَتْ حلولٌ مُتنوِّعة ثَبُتَ عدم كفايتها. ومفادُ أحد الحلول هو الاقتراحُ بأنّ الآب وحده هو الله وأن الابن والروح هما في مكانةٍ أدنى، أي أشبه بكائناتٍ مخلوقة أو ملائكةٍ فائقة إذا جاز التعبير. وكان اقتراحٌ آخر مفاده أن "الآب" و"الابن" و"الروح" كانوا ثلاثة أدوارٍ يُؤدِّيها الله كما في وجود مُمثِّلٍ واحدٍ في ثلاثة أجزاءٍ مختلفةٍ من مسرحيَّةٍ. ومع ذلك، لم ينجحْ أيٌّ من هذين الحلَّيْن في إنصافِ الحقائقِ الواضحةِ المُعلَنةِ في العهد الجديد، أي أنّ كلّ أقنومٍ من الأقانيم الثلاثة هو الله بصفةٍ مُكتمِلة، والله  موجودٌ في الوقت نفسه بصفتِهِ ثلاثةَ أقانيمٍ.

 

من المشكوك فيه ما إذا كان يمكنُ حلُّ مشكلةِ كيان الله عن طريقِ تقديمِ تفسيرٍ لها. فقد اقتنع المسيحيّون بتأكيد العقيدة في شكلٍ يأخذ بالاعتبار جميع الحقائق، وبمحاولةِ إيجادِ تماثلاتٍ بشريَّةٍ قد تُلقي بعضَ الضوءِ عليها.

 

يجد بعضُ الناس هذه التماثلات مفيدةً على الرغم من أنه من الواضح أنه ينبغي عدمُ الاعتماد التامّ على أيٍّ منها. تبدأ جميعها من النقطة التي يُعلِن فيها التعليم الكتابيّ عن إلهٍ واحد، وهي العقيدة الأساسيَّة في العهد القديم، ومع ذلك فالله يُعلَن عنه بطريقةٍ ثلاثيَّة في العهد الجديد. تتمثَّل المشكلة إذاً في تحديد الكيفيَّة التي يمكن أن يجمعَ بها اللهُ الواحدُ بين الوحدانيَّة والتنوُّع. قد نُفكِّر على المستوى الشخصيّ في كيفيَّةِ كونِ الذَّرَّة وحدةٌ تتكوَّنُ من أنواعٍ متعدّدةٍ من الجسيمات. يتكوَّن الكائنُ الحيّ البيولوجيّ من وحدةٍ تتشكَّل بدورها من أجزاءٍ ضروريَّة مختلفة. والشخصيَّةُ البشريَّة تجمعُ بين الذكاء والشعور والإرادة بحيث لا يمكننا أن نتصوَّرَ الكلّ دون الأجزاء أو الأجزاء دون الكلّ. استُنتِجتْ تماثلاتٌ أخرى من العلاقات الشخصيَّة. يمكن للزوج والزوجة اللذين تربطهما أقربُ روابطِ الحُبّ أن يكونا واحداً في الفكر والهدف، ومع ذلك من الواضح أنهما قادران على العمل المُستقلّ الذي ينسجم مع إرادة كلٍّ منهما. تكلَّم يسوع بالطريقة نفسها عن علاقته كابنٍ بالآب من حيثُ المعرفةِ المتبادلة والهدفِ المشترك (يوحنَّا 19:5-20؛ 21:17، 23).

 

قد يُقدِّم هذان النوعان من التماثل قدراً من المساعدة. يُؤكِّد التماثلُ السابق على الوحدة ويُؤكِّد التماثلُ اللاحق على تمايز أجزاء الكلّ. ويشيران معاً إلى ضرورة التأكيد على وحدانيّة الله وتمايز الآب والابن والروح. أمَّا المصطلح المُستخدَم لأفراد اللاهوت الثلاثة فهو "الأقانيم". وبصرف النظر عن المعنى الأصليّ للمصطلح – والذي كان يشير إلى أكثر من مُجرَّد "أدوارٍ" يُؤدِّيها المُمثِّلون – فإنه ينقل حتماً للقُرَّاء المُعاصرين كلّ ما تعنيه الشخصيَّةُ البشريَّة. هذا التطوُّر في الاستخدام مفهومٌ ومشروع. يُظهِرُ كلٌّ من الآب والابن والروح خصائصَ نربطها بالشخصيَّة البشريَّة، وخصوصاً القدرة على الدخول في علاقاتٍ مع أشخاصٍ آخرين. وربّما من الأفضل أنْ نفكّر في الثالوث كوحدةٍ من ثلاثة أقانيمٍ مُتَّحدةٍ بأقرب روابط المَحبَّة والهدف المشترك بحيث تظهر كإلهٍ واحد. وهذا بالتأكيد ينبع عن الطريقة التي نرى فيها يسوع على أنه ابن الآب. تعرَّضت طريقة التحدُّث هذه في الكنيسة الأولى إلى سوء الفهم لتعني أن الآب "وَلَدَ" الابن في مرحلةٍ بعيدة من الماضي، ولكنه كان من المفهوم بشكلٍ عامّ أن ذلك تأكيدٌ على مجاز الأبوّة البشريَّة أكثر من كونه شرعيَّاً؛ فالمعنى أن الابن يتحلّى بعلاقةٍ دائمة من البُنوّةِ للآب. لا يُقدِّم الكتابُ المُقدَّس أيَّة طريقةٍ مماثلة للتحدُّث عن علاقة الروح بالآب، ولكن الكنيسة الأولى طوَّرت فكرة أن الروح "انبثق" من الآب والابن (راجع يوحنَّا 26:15). تنصّ طريقة التحدُّث هذه على العلاقة دون شرحها.

 

الحديث عن الله باعتباره الثالوث هو التأكيدُ على أنه موجودٌ بصفتِهِ إلهاً واحداً ولكن في ثلاثةِ أقانيمٍ متساويةٍ جميعاً في الجانب الإلهيّ.

 

الله روحٌ (يوحنَّا 24:4)

أساس الفهم الكتابيّ لله هو عقيدة الثالوث. ينبغي أن تكون خطوتنا التالية هي النظر في شخصيَّة الله الذي ينكشف لنا بهذه الطريقة الثلاثيَّة. سوف نبني مناقشتنا على أساس سلسلةٍ من التأكيدات التي قدَّمها يوحنَّا في إنجيله ورسالته الأولى. لم يكن المقصود من هذه التأكيدات أن تكون مُلخَّصاً منهجيَّاً وشاملاً لطبيعة الله، ولكنها مع ذلك تُقدِّم مُلخَّصاً مفيداً جدَّاً لما يعلّمه الكتاب.

 

أوّل هذه التأكيدات وأصعبُها هو أنّ الله روحٌ. من الواضح أنّ الصعوبةَ تكمن في أننا تحدَّثنا للتوّ عن أقنومٍ مُعيَّن من الثالوث باعتباره "الروح" وعلينا الآن التأكيد على أن هذه الكلمة تنطبق على الآب أيضاً. وفي الوقت نفسه، تُستخدَم الكلمةُ استخداماً شائعاً عن نفس الإنسان بالمفارقة مع جسده، أو عن نَفَس الحياة الذي يُحرّكُ جسده، أو عن الكائناتِ الفائقة للبشر. تُستخدَم الكلمة بشكلٍ عامّ عن الكائنات غير الماديَّة، وهذه الفكرة موجودةٌ عندما نتحدَّث عن الله باعتبارِهِ روحاً. فكيفيّة وجود الله تختلفُ اختلافاً جوهريَّاً عن وجودنا البشريّ في الجسد (راجع إشعياء 3:31).

 

ومن الجانب السلبيّ، يُحذِّرنا هذا من التفكير الخاطئ بأن الله له جسمٌ بشريّ أو ماديّ مثل أشكال الآلهة اليونانيَّة الفائقة للبشر. ينبغي عدم خلط الله بأيّ شكلٍ من الأشكال مع الأوثان التي من صُنع الإنسان، والكتاب المُقدَّس يمنعُ منعاً باتَّاً أيَّة محاولةٍ لصنع تمثيلاتٍ ماديَّة لله (الخروج 4:20-6). لا بدّ وأن تكون أيٌّ من هذه التمثيلات بدائيَّة ومُضلِّلة. وطُرقُ تفكيرنا العاديَّة الفيزيائيَّة والماديَّة تنهارُ تماماً عندما تنطبق على الله.

 

يشير مصطلح "الروح" من الجانب الإيجابيّ إلى أن وجود الله هو على مستوىً أعلى من وجودنا. فهو وجودٌ صادق وحقيقيّ وخالٍ من القيود والفساد المرتبطَيْن بالوجود الجسديّ. وفكرة أن الله خالٍ من القيود الماديَّة، أي أنّه بالتالي كُلّيُّ المعرفة وكُلّيّ القدرة وكُلّيّ الوجود، ترتبط كُلّها بفكرة أنه روحٌ. نرى الروح والحقّ مرتبطَيْن ارتباطاً وثيقاً في يوحنَّا 24:4. وبالتالي فإن الجانب الروحيّ هو في النهاية حقيقيٌّ ودائم. الله روحٌ أبديّ.                                                               

 

الله مَحبَّةٌ (1 يوحنَّا 8:4)

 

الله كروحٍ هو أساس الحقّ. تتّضح هذه الصفة بتركيزٍ أكبر عندما ننظر إلى الإعلان الكتابيّ لشخصيَّت الله باعتبارها شخصيَّةً مُحِبَّة. تشمل المَحبَّة شخصين على الأقلّ، المُحبّ والمحبوب. يُوضِّح الكتاب المُقدَّس أنّ الآب والابن مرتبطان معاً بمَحبَّةٍ متبادلة (يوحنَّا 20:5؛ كولوسي 13:1)، ومن المعقول استنتاجُ أنّ الروحَ القدس يشاركُ في نشاطِ المَحبَّة هذا على الرغم من أن الكتاب المُقدَّس لا ينصّ عليه صراحةً. وبالتالي، فإن مَحبَّة الله للعالم امتدادٌ لعلاقة المَحبَّة الأبديَّة هذه في الثالوث لتشمل العالم، والمَحبَّة البشريَّة يُقصَد منها أن تكون نُسخةً من هذه المَحبَّة (1 يوحنَّا 11:4).

 

لكنّ المَحبَّة كلمةٌ تحمل معاني مختلفة، ومن المُهمّ أن نفهم ما يعنيه المصطلح عندما يُستخدَم للإشارة إلى الله. توجد على الأقلّ كلمتان يونانيّتان تُتَرجَمان بالحُبّ. الكلمة الأولى هي إيروس erōs، والتي غالباً ما تُعبِّر عن رغبةِ شخصٍ في أخذ شيءٍ ما أو امتلاكه بهدف الحصول على المتعة والإشباع. والدافع وراء مثل هذا الحُبّ هو الرغبةُ المُطلَقةُ في موضوع حُبّه، وهدفُ الحبِّ أنانيٍّ بصفةٍ أساسيَّة، فهو يَهدِفُ في المقام الأوّل إلى تحقيق مصلحته الخاصّة، وشعاره هو "الحصول". لا تُستخدَم هذه الكلمة في الكتاب المُقدَّس. والكلمة الأخرى هي أغابي agapē. يهدف هذا النوع من المَحبَّة، الذي غالباً ما تُعبِّر عنه هذه الكلمة، إلى إعطاء المسرّة والرضا لموضوع عاطفته وليس للمُحبّ. إنها لا تُحبّ المحبوب ببساطةٍ ولكنها تصل إلى الكريه وغير المحبوب وتجعله محبوباً. فهي في الأساس غير أنانيَّةٍ بل إيثاريَّة، كما تهدف لخير المحبوب وشعارها "العطاء". لا يعني هذا بطبيعة الحال أن المُحبّ نفسه لا يشعر بالرضا أو المسرَّة من موضوع مَحبَّته. فرضاه يأتي من عطائه للآخرين ومشاركة فرحهم، وبالطبع فإن المَحبَّة agapē الصادرة من شخصٍ ما يمكن موازنتها مع المَحبَّة agapē المستجيبة من شخصٍ آخر.

 

توجد مفاهيم أخرى للمَحبَّة بالإضافة إلى هذه (انظر كتاب المَحبَّات الأربع للكاتب سي. إس. لويس)، ولكنّ هذه المقارنةَ بين مفهومَي المَحبَّة اللذين أصبحا مرتبطين على نطاقٍ واسع بهاتين الكلمتين اليونانيّتين تكفي لتوضيح وجهة نظرنا. نوع المَحبَّة الذي يُظهِره الله هو أغابي agapē. يستخدم الكتاب المُقدَّس هذه الكلمة للتعبير عن مَحبَّته، ومن العدل القول بأن مفهوم المَحبَّة المِعطاءة تطوَّر بشكلٍ كبير من استخدام هذه الكلمة في الترجمةِ اليونانيَّة للعهد القديم لوصفِ مَحبَّة الله. قد نستفيض فنقول إنّ الناس لم يصلوا إلى مفهوم المَحبَّة هذا إلّا من رؤية معنى المَحبَّة لدى الله. ترتبط فكرة المَحبَّة باعتبارها عطاءً، بالمفارقة مع الرغبة أو الصداقة، بإعلان شخصيَّة الله. "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 8:5). "فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1 يوحنَّا 10:4). تُلخِّص هاتان الآيتان الأمر. تهتمّ مَحبَّةُ الله برعاية غير المُستحقّين وتُقدِّمُ ما هو لصالحِ الذين لا يملكون حقَّاً فيها ولا يُبدون أيّ حُبٍّ له. ربّما لا يكون حُبّ الإنسان خالياً من الانتهازيّة. تُعطَى مَحبَّة الله مَجَّاناً لجميع الناس دون تمييزٍ ولا تسعى سوى لمصلحتهم القصوى. فهذا هو نمط الحُبّ ليقتديَ به البشر، فهو الحبّ الذي يهتمّ بجميع الناس بغضّ النظر عن عِرقهم أو لونهم أو لغتهم أو مكانتهم في المجتمع.

 

هذا إذاً نوع المَحبَّة الذي يظهرُ في الشركة بين أقانيم اللاهوت الثلاثة. لقد أدَّى إلى خلق الكون وأرسل ابن الله إلى الأرض ليردّ الجنس البشريّ المُتمرِّد إلى الشركة البهيجة مع الله. تقف هذه المَحبَّةُ وراء إسناد لقب الآب إلى الله. إنه في المقام الأوّل الآب ليسوع ابنه (يوحنَّا 20:5). من المُهمّ للغاية أن الكتاب المُقدَّس نادراً ما يستخدم مصطلح "الآب" عن علاقة الله بالبشر بشكلٍ عامّ. لا يدخل الناس في علاقةٍ عائليَّة معه إلّا عندما يستجيبون لمَحبَّة فدائه ويصبحون أولاده بالروح (متَّى 9:6، 15)؛ وحينها فقط يحقّ لهم أن ينادوه أباً لهم. أمَّا الفكرة الشائعة الحديثة بأن الله أبٌ لجميع الناس، وأنه يمكنهم توقُّع جميع امتيازات خيره الأبويّ دون الاضطلاع بأيَّة مسؤوليّاتٍ بنويّة فلا أساسَ لها في التعليم الكتابيّ، ويجب الكشف عنها على أنها فكرةٌ خاطئة. إذا كان مَحبَّة الله متاحةً للبشريَّة جمعاء، فمن الصحيح أيضاً أنّ الدخول في علاقةٍ يُعرَف فيها الله على أنه الآب هو  فقط للمُستعدّين للاستجابة لدعوته بإيجابيَّةٍ وإخلاصٍ.

 

الله نورٌ (1 يوحنَّا 5:1)

النور في الكتاب المُقدَّس رمزٌ لأفكارٍ مُتنوِّعة مثل القداسة والخير والحقّ والمعرفة والخلاص. وبالتالي، فإنه رمزٌ طبيعيّ لله، الذي هو التجسيدُ الأسمى لهذه الصفات (المزمور 1:27؛ ملاخي 2:4؛ يوحنَّا 19:3؛ 12:8؛ 2 كورنثوس 14:6؛ أفسس 8:5-9؛ الرؤيا 5:22).

 

يمكن لشخصيَّة الله باعتباره النور أن تُعبِّرَ عن انفصاله عنّا (1 تيموثاوس 16:6)، ولكن يمكنها أيضاً أن تدلّ على أنه يُقدِّم لنا الإرشاد والتوجيه في ظلمة هذا العالم (1 يوحنَّا 8:2-11). بالإضافة إلى ذلك، تُبرهِن رمزيَّة النور في نقائه على قداسة الله. يجب علينا ألّا نفصل صفة الله هذه فصلاً حادّاً عن مَحبَّته كما لو كان هذان جانبَيْن مختلفين لشخصيَّته. انغوى بعضُ المُفكِّرين في اعتبار القداسة عكسَ المَحبَّة تقريباً، إن لم تكن غير متوافقةٍ معها. من الأفضل القول بأن القداسة والمَحبَّة يشبهان وجهيّ العملةِ نفسها، فهما جانبان تكميليَّان وشخصيَّان لشخصيَّة الله.

 

قِيل إن القداسة هي ما يجعل الله مختلفاً عن البشر، وبالتأكيد يتلخَّص في هذه الكلمة شيءٌ من سرّ الله وجلاله. ولكن في صميمِ قداسة الله توجد الجودةُ الأخلاقيَّة للبرّ. فاللهُ عادلٌ في جميع طُرقه. يمكن فهم العدالة فهماً سلبيَّاً من حيث معاملة الناس كما يستحقّون، وعلى وجه الخصوص، من خلال توزيع العقاب المناسب على المُخطئ، بَيْدَ أنّ عدالةَ الله هي في غالبها إيجابيَّةٌ لأنها تُعبِّر عن نفسها في المقام الأوّل في المَحبَّة والرحمة حتَّى لغير المُستحقّين. العدالة تعني رؤية الناس يحصلون على ما يستحقّونه عند توزيع الخيرات، بقدر توزيع العقوبات على من يستحقّونها. يمكن اعتبارُ الإنجيلِ نفسِه إعلاناً عن برّ الله (رومية 17:1). وهذا بالضبط لأنه أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا (1 يوحنَّا 9:1). فهو إلهٌ بارٌّ وبالتالي فإنه مُخلُّصٌ (إشعياء 21:45). مَحبَّة الله مَحبَّةٌ بارّة ومن ثَمّ فهي ليست مسألة شعورٍ تعسفيّ؛ وبرّه برٌّ مُحبّ وليس مسألة تسديدٍ صارم لما هو مُستحقٌّ. فالمَحبَّة الحقيقيَّة تظهرُ في العدالة مثلما تظهرُ العدالةُ الحقيقيَّةُ في المَحبَّة.

 

التعبير الملموس عن قداسة الله وبرّه هو الناموس الأخلاقيّ الذي أعطاه للبشر كطريقةِ الحياة التي ينبغي عليهم اتّباعُها. والمقصود من المَحبَّة أن تُعبِّر عن نفسها في علاقاتٍ متناغمة. فكما تتسّم حياةُ الثالوث بالتناغم التامّ، يجب أن تتسّمَ حياة الناس في علاقاتهم مع الآخرين ومع الله بالتناغم. يعني هذا أنه ينبغي أن توجد بعض القواعد بخصوص التعبير عن الحُبّ في العلاقات البشريَّة. وبالتالي، ينصّ جوهرُ ناموس الله على أنه يتعيَّن علينا أن نُحبّ الله وأن يُحبّ الواحد الآخر (مرقس 29:12-31). ومع ذلك، يجب توسيع هذا الناموس الأساسيّ ليشمل عدداً كبيراً من الوصايا التي تُعبِّر عن واجبات المَحبَّة في ظروفٍ مختلفة.

 

تُعطَى هذه الوصايا للبشر في سياق مَحبَّة الله لهم واهتمامه بهم. وهي غالباً ما تظهر في العهد القديم كجزءٍ من العهد الذي قطعه الله مع شعب إسرائيل. فقد قيلت في سياقِ مَحبَّة الله للشعب وظهرَتْ في تخليصه لهم من عبوديّتهم في مصر. دعاهم ليكونوا شعبه، ووعدهم برعايته الأبويَّة بشرطِ أن يطيعوا وصاياه. وبالمثل، تظهر في العهد الجديد تعليماتٌ محدّدة للحياة اليوميَّة في شكلِ تفسيرٍ لما تعنيه الاستجابة لمَحبَّة الله المُعلَنة في يسوع. ومع ذلك، لا يعني هذا أن وصايا الله ليست مُلزِمة إلّا للذين يوافقون على قبول عهده ونعمته. إنها تُعبِّر في الأساس عن مشيئته بصفته خالق البشر، كما أنها مُتجذِّرةٌ في الناموس الأخلاقيّ الذي يجد مصدره فيه. إذا لم يتبعِ الإنسانُ طريقة الحياة هذه، فإن العاقبةَ هي انهيارُ الحياة نفسها؛ تنهار العلاقات البشريَّة وتخيب حياة الناس في تحقيق هدفها. والمأساة هي أننا رفضنا الاعتراف بمطالب مَحبَّة الله المُعبَّرِ عنها في ناموسه، فصرنا نُفضِّلُ التحرُّر منه ونتخيَّل أن طريقنا أفضل. عندما تُحرَم المَحبَّة من إمكانيَّة الوجود بهذا الشكل، يُنظَر إلى قداسة الله على أنها قوّةٌ غريبة ولا يمكن اختبارها بأيَّة طريقةٍ أخرى غير الغضب والدينونة.

 

عندما نرفض قبول طريق الله، نصبح أهدافاً لغضبه. هذه هي العاقبة الحتميَّة لموقفنا، فلا مجالَ في كونٍ أخلاقيّ يحكمه ناموسُ المَحبَّة لمن يعيشون لأنفسهم ويرفضون الخضوعَ للناموس الذي يضع للكون هيكله. إذا رفضَ إنسانٌ ما طلباتِ الله المُقدَّسة وعروض مَحبَّته، فينبغي أن يُرفَض هو أيضاً، ويعاني من الاستبعاد من حضور الله وقوّته المانحة للحياة عقاباً لتمرُّده (متَّى 31:23-33؛ 2 تسالونيكي 3:1-12).

 

ولهذا السبب ترمز قداسة الله إلى انفصاله عن البشر. نحن لسنا منفصلين عن الله بسبب محدوديَّتنا. ولكنّنا نفصل أنفسنا عنه بسبب خطيَّتنا، لأنه لا يمكن لخاطئٍ أن يقف في محضر الله (ملاخي 1:3-2). يذكرُ الكتاب المُقدَّس أنه يمكننا التمتُّع بالشركة مع خالقنا لولا خطايانا (راجع التكوين 8:2؛ 22:5-24؛ الخروج 11:33). هذه الشركة أبطلَتْها الخطيَّة، وأصبحت قداسةُ الله الآن حاجزاً أمام قدوم الخطاة إلى محضره. لكن الله نفسه قد أخذ زمام المبادرة في إعادة فتح طريقٍ للشركة من خلال الإنجيل (1 يوحنَّا 3:1، 7). فهو يريدنا أن نعودَ إلى الشركة معه وأن نتشاركَ في طبيعته المُقدَّسة (2 بطرس 3:1-11)، وهكذا يهب نفسه مجَّاناً في المَحبَّة مُحتمِلاً خطيَّتنا وآخذاً آثارها الشرّيرة على نفسه لنتمكّن من التحرَّر منها ونتأهّل للدخول إلى محضره. وعظمة هذا المَحبَّة المُقدَّسة هي التي تجعل خطيَّة البشر في رفضه فظيعةً وبشعة إلى أقصى الحدود.

 

أسئلةٌ للدراسة والمناقشة

1. كيف تشرح الثالوث لطفلٍ؟ أو لشخصٍ بالغ غير مسيحيٍّ؟ هل توجد أيَّة تماثلاتٍ ضارّة؟

2. على أساس مقطعٍ مثل أفسس 3:1-14، ما أهميّة عقيدة الثالوث للمسيحيّ بحسب رأيك في حياته الروحيَّة؟

3. كيف تُظهِر الحُبّ erōs؟ وكيف تُظهِر المَحبَّة agapē؟

4. اِفحص تعليم العهد الجديد عن الله بصفته الآب بمساعدة فهرس الكتاب المُقدَّس: ما الدليل، إن وُجِدَ، على أنه الآب للبشر جميعاً؟

5. ضعْ قائمةً بالأنواع المختلفة من الحُبّ البشريّ. ما الضوء الذي تُلقيه هذه الأنواع على طبيعة مَحبَّة الله؟

6. "لا يلزم التوفيق بين صفتي العدالة والرحمة الإلهيّتين ... لأنهما ليستا متعارضتين أبداً" (جيه. ديني): ناقش.

7. ما الفرق بين القداسة والبرّ والمَحبَّة والعدالة؟ هل سبق ورأيت، بحسب اختبارك، الأربعةَ كُلّها في موقفٍ واحد؟

8. ماذا تظنّ بخصوص المنطق في البيان القائل بأنه بما أنّه المقصود من المَحبَّة أن تُعبِّر عن نفسها في علاقاتٍ متناغمة، ينبغي أن يوجد نوع من القوانين التي ندعوها الناموس الأخلاقيّ؟ هل تُفكِّر في "الناموس" كتعبيرٍ عن "المَحبَّة"؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يُؤثِّر على حياتنا اليوميَّة؟

9. يكتب مارشال: " عندما نرفض قبول طريق الله، نصبح أهدافاً لغضبه. هذه هي العاقبة الحتميَّة لموقفنا، فلا مجالَ في كونٍ أخلاقيّ يحكمه ناموسُ المَحبَّة لمن يعيشون لأنفسهم ويرفضون الخضوعَ للناموس الذي يضع للكون هيكله." ما رأيك بطريقة التفكير هذه، بالمقابل مع المفهوم الوثنيّ بأن الله غاضبٌ ويريد أن يُعاقِب؟